في مطلع 2010 كنتُ في مدينة ملبورن الاسترالية حين تم تحطيم الرقم العالمي في عدد الأبطال الخارقين المجتمعين في مكان واحد.. ففي ميدان فيديرايشن سكوير الذي لا يبعد كثيرا عن شقتي تجمع حوالي 1245 شخصاً يرتدون زي أبطال خارقين كان أبرزهم سوبرمان والرجل الوطواط والمرأة الخارقة، والرجل العنكبوت متفوقين بذلك على الرقم القياسي المسجل سابقا في بريطانيا (والذي بلغ 1091 شخصاً ارتدوا أزياء مماثلة).. ورغم سخافة هذا الانجاز إلا أنه دليل آخر على مدى تعلقنا بحلم القوة الخارقة التي لاتقف أمامها حدود ولا يجاريها منافس.. ف"الإنسان السوبر" هو الحلم الأسمى الذي سطره الأدباء وتغنى به الشعراء وناقشه الفلاسفة وسعى إليه الأطباء .. ولأن الإنسان يدرك في كل مرة حدود قدراته المتواضعة اكتفى بابتكار شخصيات أسطورية لها صفات خارقة تعبر عن رغباتنا الدفينة في امتلاكها (وهذا هو سر تعلقنا بسوبرمان)!! فجميع الأمم اخترعت وعرفت وتغنت بنماذج خارقة مثل (عنترة بن شداد) و(سيف بن ذي يزن) و(شمشون الجبار) و(هرقل الاغريقي).. ناهيك عن اتخاذ (كازانوفا) و(شهريار) نماذج للفحولة والقوة الجنسية... وكل ماحدث هذه الأيام أننا استبدلنا عنترة ب"سوبرمان" وشمشون ب"رامبو" والأمير ذو الهمة ب"جيمس بوند"- طبعا مع تزويدهم بأحدث التقنيات والأسلحة الحديثة !! وتعلقنا بهذه الشخصيات الخارقة بلور في المقابل سوقا عظيما من الترّهات ؛ فمن الروايات الهزلية والمجلات المصورة والمسلسلات الكرتونية إلى الأفلام السينمائية والشخصيات المجسمة والمنتجات الرديفة .. تكسّب الجميع من حبنا للشخصيات الخارقة... وظاهرة التكسب هذه ليست حديثة كما قد يتبادر للذهن كون الدجالين تكسبوا منذ الأزل من بيع تراكيب وأخلاط تدعي مضاعفة القوى العضلية أو الفحولة الجنسية.. وظلت بضاعتهم رائجة على الدوام كوننا نحمل على الدوام أيضا ولاء كبيرا لفكرة الانسان الخارق أو"الرجل السوبرمان" ! ورغم أن بائعي الأوهام - بمختلف فئاتهم - ظهروا في كل زمان ومكان إلا أن بضاعتهم هذه الأيام لم تخلُ من روح التطور والحداثة ؛ فقد تغيرت مقويات الشجاعة من "مسحوق قلب الأسد" إلى الفيتامينات والمعادن، واستبدلت خلطة "التماسيح المجففة" بهندسة الجينات، واستعيضت "بيضة العنقاء" بالفياجرا ومضادات الأكسدة...! وبطبيعة الحال لم يكن الأدب بمنأى عن مسألة التكسب هذه، فكما اعتاش "حكواتية" العصر القديم من قصص (سيف بن ذي يزن) و(الأمير ذو الهمة) ألف أدباء العصر الحديث شخصيات وأفلاما تناسب روح العصر وتقدمه التكنولوجي؛ فأكثر الأفلام ربحاً هذه الأيام هي التي تروج للنماذج الخارقة، وأكثر النجوم شهرة وثراءً هم الذين لعبوا دور "البطل الذي لايقهر" .. ورغم أن أجزاء سينمائية مثل روكي وجيمس بوند والترمينتور ظلت الأكثر شعبية واستحواذاً على عقول المشاهدين (يلاحظ) أن أياً منها لم يحظ بجوائز راقية كون النقاد يدركون أنها تخاطب حلم الإنسان وغرائزه الدفينة لا عقله ومشاعره النبيلة!! ... على أي حال؛ حين رأيتُ ذلك التجمع الخارق تذكرت على الفور أن الانسان العادي مثلي ومثلك يمكنه في حالات الطوارئ امتلاك قوى خارقة دون الحاجة للتخفي في ملابس تنكرية ملونة.. ففي مقال كتبته في هذا الشأن بعنوان (الانسان الخارق بداخلك) ضربتُ أمثلة على حقيقة أن جميع الناس يملكون قوى خارقة وطاقات كامنة لا يعلمون بها إلا عند الضرورة .. فنحن في الأحوال العادية لا نستعمل سوى 10% من قوانا العضلية (تكفي لفتح الباب، وقيادة السيارة، وحمل فنجان الشاي، وضغط أزارير الجوال) ولكن حين نواجَه بحالة طارئة ومهددة للحياة كحادث سيارة أو حريق في المنزل تعمل عضلاتنا بكامل قوتها فتخرج من أجسادنا طاقة هائلة وقوى مفاجئة لم نتصور يوما امتلاكها... ... وإن كان الأمر يهمك، فيمكنك مراجعة المقال على الموقع الإلكتروني!! (حلم الرجل الخارق سوبرمان/ يزن فيديرايشن 1245 للاشتراك بقناة (حول العالم) أرسل الرقم 10 إلى 88588 للجوال و616655 لموبايلي و707707 لزين.