بدايات الفنون والآداب تكشف عن بعض القوة في عناصر والضعف في بعضها الآخر، لكنها تكشف عن الجديد دائماً أو مؤشرات للأشكال والأنماط التي ربما تتحول إلى قوانين العملية الإبداعية لاحقاً. سواء كانت لعصر أو لفترة من الزمن. كما يقول فالتر بنيامين عن "لا تبدأ بالأشياء القديمة الطيبة بل الأشياء الجديدة البائسة". ولا يخلو الأمر من أن تكون هذه البدايات "موضة فنية" ولكن يمكن أن تتحول إلى نمط مع أسلوب تعديلي أو تنقيحي على عناصرها. وبما أن السياق التي تنشأ فيه هذه الفنون والآداب يحتكم إلى معايير الموهبة ومؤهلاتها وخبراتها وطموحاتها من جهة ومن أخرى شروط الاستغلال والتلقي أو الاستهلاك فهو يعتمد مسار "إيديولوجيا تحررية" باعتبار "الفن ابن الحرية" كما يقول عاصي الرحباني. وقد تمثلت حالة التحرر العربية صور الحداثة خلال القرن العشرين في الفنون والآداب أو في حقول الثقافة بينما تفاوت في مجالات أخرى كالاقتصاد والسياسة تبعاً لشروط مختلفة عن المجال الثقافي تماماً. ومن تحولات القرن الواحد والعشرين أن تلك الحداثة وصلت ذروتها الموهومة على الصعيد السياسي والعسكري حتى هزيمة 1967 ثم تصاعدت حالات متبقية من تلك الحداثة تستنفد أساليبها وقيمها وأفكارها لتجد نفسها في صورة ما بعدية لتلك الحداثة. وحيث ينفتح الشعر والتشكيل والتصوير الفوتوغرافي كذلك ينفتح التمثيل في السينما والمسرح والتلفزيون على "عالمية الثقافة" في حالة من الاستعارات والتكييفات لعناصر فنية متعددة تشتبك مع الآخر. وهذه "الحداثة المبدعة" كما يقول فيصل دراج في كتابه "ما قبل الدولة ما بعد الحداثة" (أزمنة، 2011) أو ما بعد الحداثة في الإبداع تنطوي على ثلاثة عناصر: ضرورة تملك المعرفة الكونية أو محاولة تملكها ولو بشكل نسبي. تأمل تاريخ الحداثة العربية في انتصاراتها القليلة وإخفاقاتها الكثيرة بصورة نقدية. إشكالية الحداثة على مقولات الشعب وتحرير الإرادة وترهين الموروث لوطني. وقد تمثلت هذه البدايات لدينا في فرقة أساطير جدة والاسم البارز فيها قصي خضر صدرت لهم أسطوانة وصورت أكثر من أغنية وربما عرف الناس المغني كلاش. ويوجد أكثر من اسم يتراوحون بين الدي جي وأعمال جديدة تمثل الأغنية البديلة أو الهامشية. وبموت الأغنية التجارية بسبب إفلاس وانهيار شركات الإنتاج الغنائي منذ سنوات رغم مقاومتها الكاريكاتورية إلا أن العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين يبشر بحالات جديدة. ففي خلال أيام بسيطة وصل عدد المتفرجين لأغنية "قرفان" لعلاء وردي في اليوتيوب إلى أكثر من عشرين ألف متفرج (234 معجب، 76 غير معجب). هذا الشاب إيراني الأصل من مواليد الرياض وسبقه قبل والديه كل من جدة وجدته فالأسرة تعيش في السعودية من سنين تقارب المنتصف قرن حسب تصريحه. هذا الشاب علاء وردي من مواليد عام 1987 درس التعليم العام في الرياض ثم انتقل ليكمل دراسته في عمان بالأردن حيث درس التأليف الموسيقي وتمكن من العزف على أكثر من آلة. عاد إلى الرياض، وهو يعد السعودية بلاده حيث ولد وتربى فيها، ويواصل العمل online حيث يؤلف موسيقى ويعزف ويوزع أعمالاً لأفلام وبرامج ومسلسلات. يستمع لفرق الأغنية البديلة في العالم كله حتى التي بدأت تنتشر في العالم العربي حيث عزف مرة مع فرقة "مشروع ليلى" اللبنانية. ونأتي إلى أغنيته "قرفان" تمثل حالة شاب عربي يقدم رسالة إلى أصحابه في عمان عن سبب تأخره في العودة إليهم حيث يطمح إكمال دراسته. الأغنية اعتمدت لحناً يصل حد العادية موقعاً على آلة الغيتار والغناء بصوت يستثمر تقنية النشاز المعتمدة في الهارد روك غير أنه يوظفها في أجزاء الأغنية، ولكنه لا يمنع من تسرب إحساسه الشرقي في الامتدادات اللحنية رغم بساطتها موحية على كلام يقترب من "الحكي الاعتيادي" ويلعب في النبر بطرق غير مألوفة على الكلمات العربية إلا أنها تمثل صورة شاب عربي. "أنا علاء وردي قاعد بالسعودية آكل بشرب بنام وعالفيسبوك بسهر من كتر من أنا قرفان كتبت هالأغنية كمان تمان أغاني زيها وكبيتهم بالزبالة يا شباب أنقذوني يا شباب طلعوا لي فيزا يا شباب حلقوا لي شعري.. وقبل ما أنجن"