دول أوروبا وأمريكا أكبر مَن قاد فساد الأنظمة العالمية، فلم تكتف باستعمار ونهب ثروات الشعوب وتحويلهم إلى قطيعٍ في دولاب نشاطاتها الاقتصادية، وعبيدٍ في مراكز أمنها ومصانعها، ثم ادعاء المُثل العليا التي لا تطبق إلا على كياناتها بالديمقراطية والحرية والتشريعات المختلفة؛ حيث هي من تبنى الدكتاتوريات العسكرية في الوطن العربي وقارات العالم الثالث، ثم يأتي النفاق السياسي لحكوماتها ووسائل إعلامها بأن تلك الشعوب لا تملك التميز الذي تحظى به دول أوروبا وأمريكا الشمالية مع أن الفروق التي اخترعتها تلك الدول بتميزها عن بقية الأمم الأخرى، كذّبتها أحداث الحاضر عندما قفزت آسيا لتكون قارة القوة والمستقبل.. ولم تكتف تلك الدول بصنع التشريعات والتحريض على محو الثقافات واحتقار الأجناس، بل قامت بتحريك الآلة العسكرية في أي مناسبة بادعاء حماية الأمن العالمي، ويكفي أن احتكار مجلس الأمن ذي الأغلبية لأعضائه من تلك الدول، أدى إلى فرض سياسة الهيمنة السياسية، وفرض العقوبات الاقتصادية على من لا يلتقي مع اتجاهاتها وتلبية طلباتها.. فقد هربت أموال العالم الثالث من قبل زعامات نصبتها أمريكا وأوروبا، وتسببت في مضاعفات نسب من يقعون تحت خط الفقر، وعلى الأخص القارة الأفريقية، وتحولت إلى مأوى للبلايين التي استُنزفت من الشعوب، ولم تقرّ بهذه الوقائع إلا بعد زوال سلطة دكتاتور أو نظام يفرض عداءه مع الغرب.. الثورات العربية كشفت كيف أن لصوص الأموال المسروقة، أقل بشاعة من المتسترين عليها، ولعل الحظر على أموال الرؤساء المبعدين عن سلطاتهم، تسبب في الحركة السريعة لدول المأوى لتلك الأموال في إظهار النوايا الحسنة، وهي كذبة كبرى، بل جاءت الإجراءات خوفاً من الشعوب نفسها التي صارت تملك الوثائق، فسبّقت بإعلان المبالغ والتحفظ عليها، بينما أموال أخرى نهبت من عدة قارات لاتزال تستثمر في إدارة عملية اقتصاد دول تدعي المثالية وتساهم في تجويع الشعوب.. ويظل الغرب أنانياً وعنصرياً وديمقراطيته في أنظمته العادلة لا تقبل التطبيق لأنها تضر بمصالحه أن تكون الشعوب واعية تقرر مصيرها، وتدير مصالحها بأغلبية وطنية، وليست قرارات تملى على الحكام ويتم التوقيع على الصفقات والتنازلات بتلازم المصالح لا صيانة حقوق الشعوب.. انظروا إلى كل المصطلحات السياسية من الاحتواء إلى المقاطعة، والفراغ السياسي ومناطق النفوذ، إلى الفوضى الخلاقة ومسلسل أفعال المحافظين الجدد، كلها وسائل استعمار بمبادئ مغطاة بالحذلقة القانونية وكبرياء القوة، حتى إن مبدأ القطبية الأحادية لأمريكا والتي نقلت حروبها الباردة مع الاتحاد السوفياتي لتجيّرها للعالم الإسلامي باسم مكافحة الإرهاب، لكن ما يجري الآن من ثورات متلاحقة بدأها العرب، وقد تتحول إلى ظاهرة عالمية باسم عولمة الحرية، جعل الغرب، بشقيه الأمريكي والأوروبي، يطرح هذه الأبعاد بمخاوف أن هناك عالماً جديداً سيولد، ولا يمكن أن يدجّن، أو، يفرّغ من وجوده السياسي والاقتصادي..