يعاني العالم العربي والإسلامي من أزمات داخلية كثيرة، بعضها أزمات طارئة وبسيطة ومن السهولة التعامل معها، وبعضها صعبة وخطيرة قد تقود لحروب أهلية وتفكك وتدخلات أجنبية. وهذه الأزمات لم تأت بين يوم وليلة، لكنها ولدت من رحم ثقافة الجهل والأنانية والكسل واللامبالاة، وترعرعت في محيط البيروقراطية والترهل الإداري الذي لا مجال فيه للإبداع والفكر الناقد البناء. ولو نظرنا إلى بعض الدول الإسلامية التي تعاني من الحروب والقلاقل لوجدنا أنها تعاني من تفشي ظاهرة الفقر والبطالة، ليس بسبب نقص الموارد الطبيعية والبشرية ولكن بأسباب أخرى كثيرة. لقد رأينا كيف تفكك الاتحاد السوفياتي رغم قوته العسكرية الهائلة، وكونه الأغنى على مستوى العالم في المصادر الطبيعية، والأكبر مساحة بينها جميعاً، لكنه أهمل كرامة الإنسان وحريته، بينما ازدهرت دول صغيرة، فقيرة في مواردها الطبيعية، كسنغافورة وكوريا الجنوبية وماليزيا، لأنها تسلحت بالعلم وعرفت مفاتيح الحضارة، وحاربت الفساد وأعطت مساحة أكبر للحريات، ونشرت القيم السامية، واستثمرت في الإنسان أهم عوامل نجاح التنمية. يفتقد أبناؤنا وبناتنا قيم العمل كاحترام الوقت وإتقان العمل وبذل الجهد والصبر على التعب. يقول أحد أساتذة الجامعات وصاحب الخبرة في القطاع الخاص، الشباب السعودي معدنهم أصيل لكن تربيتهم وتعليمهم لا تؤهلهم لمواجهة المصاعب والصبر عليها، لذا فإن أكثرهم يترك العمل في القطاع الخاص ومن السهولة أن نختصر المشكلات التي يعاني منها العالم العربي والإسلامي ونعزو أسبابها إلى وجود مؤثرات خارجية وتدخلات أجنبية، لكن هذا لن يقدم الحلول بل قد يحجبها، وسيصرفنا عن الحلول العلمية، وسيراكم المشكلات ويؤخر حلها، فالحلول دائما تبدأ بمعرفة مسبباتها، واستخدام لغة الأرقام لحصر أبعادها، ومتابعتها بكل دقة وأمانة، ثم اللجوء إلى الحلول العلمية، بعيداً عن التخمين أو المجاملة. وأسوأ ما يعانيه العالم العربي والإسلامي البطالة المتفشية بين الرجال والنساء، ومع البطالة يأتي الفقر والجريمة وتفشي المخدرات والتطرف نتيجة الفراغ والإحباط، والمملكة لها حدود مع بعض الدول العربية والإسلامية غير المستقرة، مما يشكل عبئاً على سوق العمل في المملكة، وعلى الأمن بشكل عام، لذا لابد من التعامل مع البطالة بشكل جاد وحازم وعلى أعلى المستويات، ومن جميع الوزارات المعنية، واعتبارها أخطر من الإرهاب ومن المخدرات، وهنا أسوق بعض المقترحات لعلها تسهم في حلها: *لابد من معرفة العدد الحقيقي للباحثين عن العمل في الحاضر والمستقبل، بدءاً بعدد الطلبة في التعليم العام، وعددهم في الجامعات وكليات التقنية، وعدد الخريجين، وعدد الملتحقين بوظائف بعد التخرج، وعدد من يبقون في وظائفهم، وعدد من يتركون وظائفهم، وعدد طالبي العمل بشكل دقيق، وتحديث قاعدة المعلومات بشكل مستمر وجعلها متاحة للوزارات المعنية والمؤسسات التعليمية والتدريبية، وعلى الجانب الآخر يحدد عدد الوافدين وأماكن تواجدهم، والوظائف التي يمارسونها، وبمعنى آخر نريد نظاماً لرصد سوق العمل، والبطالة بجميع أبعادها كنظام ساهر الذي يرصد المخالفات المرورية، ويبلغ عنها بكل سرعة وكفاءة. * محاربة البطالة يجب أن تكون لها الأولوية من قبل جميع أجهزة الدولة، وقبل إقرار أي مشروع لابد من التفكير في عدد الوظائف التي سيخلقها كل مشروع للمواطنين، وكيف سيتم اختيارهم وتدريبهم، وما هو الحد الأدني للأجور؟ وهذا ما سيحقق الفائدة الكبرى للمشروع من جميع النواحي، وأتساءل: متى سنقضي على البطالة إن لم نقض عليها في زمن الوفرة المالية؟ * المجلس الاقتصادي الأعلى هو أعلى سلطة اقتصادية يرأسه خادم الحرمين الشريفين قائد مسيرة الإصلاح والتنمية، وأعضاؤه من خيرة أبناء هذا الوطن، مهمته دفع الاقتصاد ونموه، والتنسيق بين مختلف أجهزة الدولة، المالية والاقتصادية والتجارية والعلمية والعمالية والأمنية، من أهم أسباب تشكيله النهوض بالاقتصاد ورفاهية المواطن، وأهمها جميعاً معالجة البطالة، وعليه يقع دور كبير في اتخاذ قرارات مدروسة، ومنها وضع حد أدنى لأجور بعض المهن التي سيشغلها المواطنون والمواطنات، كوظائف التعليم الأهلي والأمن ووظائف قطاع بيع التجزئة، والشركات الكبيرة، وإقفال باب الاستقدام لهذه المهن، والعمل على خلق وظائف جديدة وذلك ببناء مدن اقتصادية متكاملة على غرار مدينتي الجبيل وينبع تتولى الدولة بناءها وإيصال الخدمات لها وليس القطاع الخاص، وجعل الدعم الحكومي للسلع الضرورية كالوقود مقصوراً على المحتاجين، أما أن يكون متاحاً للجميع من أغنياء وتجار ووافدين ففيه هدر كبير وسوء استخدام، إن الأولوية هي إيجاد وظائف ذات عائد مادي معقول، ومساكن مناسبة، وتعليم جيد وصحة وما عداه سيأتي تباعاً. * يفتقد أبناؤنا وبناتنا قيم العمل كاحترام الوقت وإتقان العمل وبذل الجهد والصبر على التعب. يقول أحد أساتذة الجامعات وصاحب الخبرة في القطاع الخاص، الشباب السعودي معدنهم أصيل لكن تربيتهم وتعليمهم لا تؤهلهم لمواجهة المصاعب والصبر عليها، لذا فإن أكثرهم يترك العمل في القطاع الخاص بعد أشهر من الالتحاق به، ويبحث عن عمل سهل في القطاع العام حتى لو كان براتب أقل. وهنا يأتي دور التعليم بمراحله المختلفة، وكيف يجب أن يؤصل لقيم العمل؟ والتركيز على حصص الرياضة البدنية لبناء أجسامهم ومحاربة السمنة، وغرس مبدأ التعاون وروح الفريق واحترام الوقت، فالمدارس والجامعات وكليات التقنية هي المكان المناسب لتعلم قيم العمل، بشرط أن يتمتع بها المعلمون وأساتذة الجامعات أولا، أما الآباء والأمهات فعليهم أن يعدوا أبناءهم وبناتهم، لتحمل المشاق وذلك بإشراكهم في أعمال المنزل والتجارة، كما هو في الدول المتقدمة التي تركز على أنه لا شيء بلا مقابل، وعلى الطالب أن يعمل في وقت فراغه ليلتحق بالجامعة. * لا يمكن أن نلقي باللوم على جهة واحدة في وجود البطالة، لكن أهم أسبابها: 1. غياب المعلومات المتكاملة لعدد طالبي العمل والفرص الوظيفية المتاحة، وتوزع المعلومات بين جهات كثيرة في الدولة، بدلا من قاعدة معلومات واحدة كمركز المعلومات الوطني. 2. كثرة العمالة الوافدة التي تمارس أعمالا تجارية وفنية تزاحم بها المواطن كالتجارة. 3. عدم تطبيق الأنظمة التي تحدد نسبا معينة لتوطين العمالة الوطنية في القطاع الخاص، وعدم تحديد سقف أدنى لأجور بعض المهن، ونعلم جميعاً أن تدني الأجور من أهم أسباب تسرب العمالة الوطنية من القطاع الخاص، ولن يستطيع مواطن أن يكوّن أسرة ويستأجر بيتاً بمبلغ ألفي ريال. 4. عدم تمكين المرأة من العمل فيالتجارة، وتمكين العمالة الأجنبية بدلا منها، مع أنه في جميع دول العالم يشترك معظم أفراد الأسرة في العمل في أي مشروع تجاري لدى الأسرة، سواء أكان محل بيع مستلزمات، أم مطعما أم خدمات عامة، وهذه الأعمال البسيطة تؤمن أكثر من ستين في المئة من الوظائف في القطاع الخاص. نحتاج لقرارات مدروسة من المجلس الاقتصادي الأعلى تحفز الاقتصاد وتضع المملكة من بين الدول الصاعدة باقتصادها كالصين والهند والبرازيل وتخطط لما بعد البترول، وتجعل محاربة البطالة في سلم أولوياتها. قرارات تطبّق بكل حزم وأمانة من جميع الوزارات المعنية، والمؤسسات التعليمية والتدريبية، للمساهمة في توسيع الطبقة المتوسطة، وتأمين العيش الكريم للجميع . المملكة العربية السعودية قدرها أن تكون نموذجاً يحتذى من بقية الدول العربية والإسلامية، وقد حباها الله أعظم المقدسات، والمصادر الطبيعية الكافية، والقيادة الحكيمة الحريصة على مصلحة الوطن وأبنائه، والشعب الوفي ومعدنه الطيّب، المحب للخير، وكل ما نحتاجه في هذا العالم المضطرب أن نبحث عن القوة على جميع الجبهات ومن أهمها الجبهة الداخلية..