تعدت نسبة البطالة في المملكة العشرة بالمئة بين الذكور، وتجاوزت الثلاثين بالمئة بين النساء، في حين أن هناك أكثر من ثمانية ملايين وافد كلهم يعملون في وظائف ومهن مختلفة، وهنا أتساءل عن سبب هذا التناقض الكبير بين النسبة العالية من البطالة ، ووجود هذا العدد الكبير من الوافدين. البطالة ليست من الأمور البسيطة التي يمكن السكوت عليها أو التقليل من آثارها المدمرة، فهي من أهم أسباب الفقر وتفشي السرقة والجريمة والمخدرات والتطرف والقلاقل الداخلية، لذا يجب أن يكون لها الأولوية في المكافحة، والبطالة تزداد بزيادة عدد السكان وكثرة الوافدين يوماً بعد يوم. وحين ننظر إلى بلد كاليابان أو استراليا نجد أن البطالة لا تتعدى خمسة في المئة، وحين وصلت إلى خمسة وثلاثة بالعشرة من المئة في أستراليا ضجت الصحافة وصارت حديث المحللين. محاربة البطالة يجب أن تكون أهم ما يشغل وزير العمل الجديد وفقه الله وأعانه، لكنها لن تكون بسيطة، ولو كانت بسيطة لحلت منذ زمن بعيد، فهي معقدة ومتشعبة، ويشترك في أسباب وجودها أكثر من جهة حكومية وأهلية, محاربة البطالة يجب أن تكون أهم ما يشغل وزير العمل الجديد وفقه الله وأعانه، لكنها لن تكون بسيطة، ولو كانت بسيطة لحلت منذ زمن بعيد، فهي معقدة ومتشعبة، ويشترك في أسباب وجودها أكثر من جهة حكومية وأهلية، وتحتاج لقرارات شجاعة، وتعد وزارة العمل أهم الجهات المعنية في دراسة أسباب البطالة ووسائل معالجتها، ولابد أن تتحمل مسؤوليتها التاريخية وتتصدى لها بكل أمانة وشجاعة. إن إيجاد وظيفة محترمة سواء في القطاع العام أو الخاص هي من أهم الأمور التي تشغل بال أبنائنا وبناتنا في الداخل والخارج. إذا أردنا أن نوجد حلّا لأي مشكلة قائمة فلدينا أكثر من وسيلة، لكن أهم الوسائل وأنجعها هي الحلول العلمية البعيدة عن الارتجال والتخمين، فالحلول العلمية يقوم بها باحثون مختصون ينطلقون من افتراضات أقرب ما تكون للحقيقة، وأكثر من يجب أن يدرس مشكلة البطالة ويوجد الحلول لها هم المختصون والمشتغلون بالبحث العلمي الذين لديهم الجلَد على دراسة المشكلة من جميع الجوانب ومن ثم وضع الحلول القابلة للتطبيق، وأعتقد أننا يجب أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون، فما الذي جعل دولة كاليابان مثلا وبعدد سكانها المئة والثلاثين مليونا تقضي على البطالة، وتؤمن الوظائف لجميع مواطنيها؟ في حديث مع أحد أساتذة الاقتصاد في جامعة ملبورن الشهيرة في استراليا، قال: رغم حاجة أستراليا للعمالة الأجنبية إلا أننا لا نستقدمها، بل نسمح بهجرة ثلاثمئة ألف شخص سنوياً من أصحاب المهن الذين تحتاجهم أستراليا ليصبحوا مواطنين فيما بعد، لكننا نراقبهم بكل عناية لمعرفة مدى التزامهم بالضوابط، ونضع حداً أدنى للأجور يطبق على الجميع، فالدولة الغنية لا تقاس بعدد أغنيائها، ولكن بقلة فقرائها، والحد الأدنى للأجور يحقق ذلك. وقال أستاذ آخر: أصحاب المهن يتقاضون أجراً في الساعة أكثر مما نتقاضاه نحن الأساتذة، فالحد الأدنى للأجور لا يقاس بالشهادات فقط، ولكن بصعوبة العمل ومقدار الجهد المبذول وخطورته. كيف نريد أن نقضي على البطالة في المملكة ومعلمة المدارس الأهلية على سبيل المثال تتقاضى رُبع ما تتقاضاه زميلتها في المدارس الحكومية وهو مبلغ قد يذهب نصفه للمواصلات؟ وهي إن عملت في تلك المدارس فعملها مؤقت إلى أن تجد أفضل منه، وقد تعود إلى بيتها عاطلة وتترك تلك الوظيفة لوافدة أو وافد. في الدول المتقدمة يتقاضى معلمو المدارس الأهلية أجوراً أعلى من زملائهم معلمي مدارس الحكومة،، لأنهم يبذلون جهودا أكثر، وقس على ذلك الكثير من المهن التي يمارسها أبناء وبنات الوطن، هل يعقل أن يتقاضى شاب مبلغاً يقل عن ألفيْ ريال مقابل ضبط الأمن في مجمع تجاري؟ ألسنا نراعي ملاك المجمعات والتجار على حساب مكافحة الفقر والبطالة؟ من الواجب أن يتقاضى أربعة أضعاف هذا الأجر وأن يكون في غرف مراقبة، أو داخل السوق، وليس همه فقط منع الشباب من دخول المجمع. الأمر الثاني الذي سيقلل البطالة ويحول دون خروج بلايين الريالات التي تحول سنوياً إلى خارج المملكة، هو تمكين المرأة من العمل في التجارة. حين كنت صغيراً قبل خمسين عاما تقريباً لم يكن هناك عامل أجنبي واحد في مدينتي الصغيرة، كانت المرأه مشاركة في كل مناحي الحياة، أتذكر جيداً تلك البدوية التي أناخت جملها في فناء منزل قريبي الذي اشترى منها حطباً جلبته في سوق البلدة بعد صلاة الجمعة، وبعد أن أنزلت الحطب وقبضت ثمنه ركبت جملها ولحقت بأسرتها بكل ثقة ونشاط، يتذكر ذلك كل أبناء جيلي من جنوب المملكة ووسطها وشرقها وشمالها، بل إن من يقرأ تاريخ مكة والمدينة المنورة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين يعرف جيداً كيف كانت حياة المرأة ومشاركتها، وكيف كانت أسواقهم وأماكن عبادتهم وحلقات الذكر فيها. لابد من إقفال باب استقدام العمالة إلا في أضيق الحدود، فالعمالة الرخيصة تأخذ من المواطن فرصة العمل، وتعوّد الناس على الكسل، وتزدحم بهم الشوارع، ويكون منهم سيئ الخلق. وفي استراليا على سبيل المثال تعلم أبناؤنا أن يقوموا بأعمالهم بأنفسهم، فهم الذين يغسلون سياراتهم، وهم الذين يملأونها بالوقود، (بل إنه لا يوجد في محطة الوقود سوى شخص واحد فقط والسبب غلاء الأجور)، وهو المسؤول عن البقالة أيضا، كما تعلم أبناؤنا وبناتنا أداء الأعمال المنزلية والصيانة البسيطة بسبب غلاء الأيدي العاملة هناك. لكن وضع حد أدنى للأجور سيكون له ثمن يدفعه القطاع العام والخاص، وثمن يدفعه المواطن، سترتفع أسعار الأيدي العاملة والمواد في الأسواق، لكن مقابل ذلك سيجد كل باحث عن العمل وظيفة محترمة تنتشله من الفراغ والفقر والحاجة، ولن تحتاج المطلقات والأرامل إلى الجمعيات الخيرية، كما أنه في بداية تطبيقه ستزداد تحويلات الوافدين إلى خارج المملكة، لكن ذلك سيكون مؤقتا ويزول مع تقليص أعداد العمالة، وإحلال مزيدٍ من المواطنين والمواطنات تدريجياً في التجارة والوظائف المناسبة.