تقمصت الولاياتالمتحدة دور البطل النبيل المخلص وعجزت أن تخرج منه , فهي أصبحت رقم الطوارئ العالمي الذي لايتصل به الضحايا أو يطلبون منها مساعدتها , بل هي ترقب العالم مليا وتتبع البؤر الساخنة ومن ثم يرتدي السوبرمان الأمريكي بزته وينطلق لإحلال العدالة والخير والسلام في أصقاع المعمورة . ومع الثورات الأخيرة في العالم العربي كانت أيام ثورة تونس التصريحات الأمريكية وقورة ومتحفظة، وترقب المشهد عن كثب لاسيما أن الثورة حسمت سريعا وليس للولايات المتحدة من مصالح كبرى في تونس, ولكن في ثورة 25 يناير المصرية , وجدت أنها لابد أن تركب الموجة وتجيرها لصالح حضور أمريكا العالمي لاسيما لموقع مصر الحساس المجاور للولاية الأمريكية (إسرائيل) , فكانت هناك ليس فقط كثافة في التصريحات بل فجاجة وصلف الكاوبوي الذي يطارد الفارين من العدالة , في الثورة الليبية كانت في الأيام الأولى التصريحات الأمريكية متحفظة وحذرة , إلى أن توازن القصور في الإمدادات النفطية (عندما رفعت أرامكو) إنتاجها , عندها انطلق الكاوبوي بكل ما أوتي من قوة يصول في ميدان التصريحات , حتى أن بيان مجلس الأمن (الذي يدين الجرائم التي ارتكبها النظام الليبي ضد الإنسانية ) أصرت الولاياتالمتحدة عند صياغة البيان على تمرير قرار استعمال القوة ضد النظام , وتحركت البارجات الأمريكية في المتوسط اتجاه الشواطئ الليبية , وصرحت وزيرة الخارجية كلينتون أن هناك تنسيقاً مع المعارضة , على الرغم من أن المعارضة الليبية ترى أن التعاون مع الولاياتالمتحدة هو وصمة عار تلوث وطنية الثورة ونبل أهدافها . في العصر الحديث ظلت الولاياتالمتحدة نائية وبعيدة وتعلن الحياد على الرغم من الدعم اللوجستي الذي كانت تقدمه لجيوش المحور في الحرب العالمية الثانية إلا أنها كانت تكتفي بالانشغال بهموم الداخل , حتى دوت قنابل اليابانيين فوق ميناء (بيرل هاربر) في 7ديسمبر 1941، عندها انطلق المارد من قمقمه ليدافع عن نفسه بشكل أهوج ولم يعد إلى القمقم إلى الآن . وكل حرب أو تحرك عسكري لابد له من غطاء أيديولوجي يبرره أو يسوغه أمام الشعب أو أمام المجتمع العالمي، فإن كان شعار بوش الابن(قذافي أمريكا)القضاء على الإرهاب , فحتما سيكون شعار الحكومة الحالية فيما لو اختارت التدخل هو حماية العدالة وقيم الديمقراطية في العالم , وهي الشعارات التي بات يلوح بها البيت الأبيض الآن في كل مناسبة , على حين أن الكثير من المراقبين والمفكرين لاسيما مثقفي أوروبا المستقلين يرون أنه منذ عهد الرئيس السابق (ريجان) (وتحول الولاياتالمتحدة إلى دولة عظمى أحادية القطب ) وهي تحمل شعارات الكاوبوي القادر على إخضاع العالم وتركيعه استجابة للمصالح الأمريكية في العالم والشركات العابرة للقارات . والمفجع في الأمر أن بعض المحطات الفضائية الأمريكية تظل تنقل لنا تصريحات بعض المحللين العسكريين الأمركيين بقولهم بأن لديهم خططاً لحماية مصالحهم في جميع أنحاء العالم , وأنهم في حال تعرض منابع النفط أو محطة البنزين الأمريكية إلى التهديد باستطاعتهم احتلال المنطقة في ظرف 24 ساعة !! إنه الكاوبوي يصول ويجول في الميدان , متقمصا دور الملبي لنداءات رقم الطوارئ العالمي، والله المستعان .