قائمة العار التي أنشئت على صفحات الفيسبوك والتي تضم أسماء الفنانين والشعراء والكتاب المصريين الذي كان لهم موقف من ثورة الشباب، تأتي في سياق معاقبة هؤلاء الرموز على موقف فكري وسياسي آمنوا به، وهي تدل بوضوح على أن المجتمعات العربية ما زالت رغم كل محاولات التنوير غير قادرة عقلياً وذهنياً بل وحتى جينياً! أن تصل إلى دائرة النضج الفكري والإيمان المطلق بحرية الرأي؛ فهؤلاء الفنانين الذين تم التشهير بهم لم يرتكبوا جرماً ولا فساداً سوى أنهم عبروا عن رأيهم بكل حرية. عندما ثار الشباب المصري كانت أبرز مطالبهم إطلاق الحريات وإعطاء مساحة كبيرة للرأي الآخر المخالف، وعندما انتصرت الثورة، شمّر الشباب عن سواعدهم فعاقبوا كل من خالفهم في الرأي، ووضعوا قوائم تُشهر بكل من لم يتحمس مع ثورتهم، وهم بذلك لا يختلفون عن النظام السابق الذي ثاروا ضده. وبمرور الأيام يتضح أن مطالبهم البراقة تلك ليست سوى مسميات وعبارات أطلقت في الهواء، وإن كان من لوم فهو على الفنانين الذين شاركوا في صنع هذه القوائم، مستغلين الفرصة لتصفية الحسابات مع منافسيهم في الوسط الفني. كيف لمثقف أو شاعر أو فنان أن يطلب بمعاقبة زميل له بتهمة الاختلاف بالرأي؟. وكيف يمكن تبرير الدعوات بالمقاطعة الشاملة لمجموعة من الفنانين والمبدعين الذين كانت لهم رؤية مختلفة لما يحدث في مصر؟. ثم أين ذهبت الشعارات الإنسانية التي كان صداها يدوي في ميدان التحرير؟. والسؤال الأهم: ما هو العيب في أن يأتي من بين 80 مليون مصري من هو مؤيد فعلاً حسني مبارك؟. هذا موقف سياسي محض لا ينبغي أن يعاقب الإنسان من أجله. للأسف.. أثبتت هذه القوائم أن ثقافة "التطرف" و"التعصب للرأي" متجذرة في تكوين الشعوب العربية وبسببها لا تملك القدرة على ممارسة الأخلاق الإنسانية الحقيقية. هذه القوائم حتماً ستعيد هيكلة النجومية في مصر وستبرز أسماء جديدة من الفنانين والشعراء والكتاب الثائرين وأخشى ما أخشاه أن يكون معيار النجومية الجديدة هو "الموقف من الثورة" لا الموهبة الفنية الإبداعية الحقيقية. وهذا كفيل برفع أسهم الدخلاء على الفن وعديمي الموهبة. المؤسف أن من تزعم المطالبات بمعاقبة الفنانين ذوي الرأي المختلف هم زملاؤهم في الوسط الفني ممن لهم من الممارسات الخاطئة الكثير وبعضهم ملأ فضاء السينما المصرية بكمية كبيرة من الأفلام الفاضحة التي تحوي مشاهد جنسية لمجرد الإثارة والتسويق. وقد نسى الجمهور كل ذلك لمجرد أن هذا الفنان "وقف" مع الثورة!. نظرية "إن لم تكن معي فأنت ضدي" هي التي تحكم العرب في صورة من صور التخلف الفكري والحضاري، والأمر المخيف أن من يتبناها هو المثقف العربي!.