روايةُ شاهد عيان : المكان بهو الانتظار بأحد المشافي الكبرى في العاصمة الرياض. كان المراجعون يجترون الملل والضيق وموعداً طال انتظاره كاد أن يتفلّت من التحقق. الرجالُ كالعادة مفصولون عن نسائهم والأطفال يلهون بتصريف الوقت ضجيجاً متنقلين مابين قسم الرجال وحرملك النساء (قاعة استقبال الحريم). أُلصِق على جدران البهو (ستيكرات) دعوية بكل ألوان الطيف مما أوحى بعدم الثقة في تشخيص البشر والتذكير بالالتجاء للغيبيات والعلاج بالنصوص. أحد الأطفال تمرّد على صالة (الحريم) ودفعه الشعور بالتفوق الذكوري فجلس مع أبيه تحقيقاً لمفهوم (الرجل يجلس مع الرجاجيل) ، أما أخته الصغيرة فكانت تطلّ على استحياء وكأنها تريد اكتشاف عالم الذكور، وما يقال عن أسطورية الهيبة والقيادة والنظام الأبوي الصارم. الصغير كان ينهرها بجلافة وهي تعانده بالتجاهل مرّة وبالكلام مرات. شعر الأب بإهانة رجولة صغيره فقال له : " قم اضربها " ، انتفش مزهواً بمهمّة قمع الأنثى التي لا يمكن التسامح مع تطاولها ومعاندة وليّ أمرها المُنتظر. هربت ولم يسمع شاهد العيان غير صراخ الصغيرة في قسم (الحريم) وهمهمات أُم شعرتْ بالضيم والانكسار. الآن أيها السيدات والسادة ألا ترون معي بأن شمس الظلم والقمع للأنثى تبزغ من جهل أبٍ وقع في سوء عيبه وانتصر لرجولة زائفة نيابة عن مجتمع ذكوريّ تُقلقه حقوق المرأة وتفوقها وعملها وحتى صوتها العورة كما يعتقدون؟! يبدو أن الأب إيّاه قد ورث عن أجداده ممارسة الوأد دون الدسّ في التراب إنما بمفهوم أقرب إلى العزل عن الحياة (حياة موات). يقول الشاعر الفرنسي بودلير (1821-1867) " ليست الحضارة الحقيقيّة في الغاز والبخار والطاولات المستديرة والدوارة ، بل في التقليل من الذنب الأصلي". إن الشعور بالذنب العميق تجاه قمع الأنثى ومصادرة حقوقها يُحرّضه ضمير حيّ وفكر مستنير يفتقده المؤمنون بفرض ذكورة المجتمع. خاتمة الكلام أُذكّر بأن من لم يتقن سوى الانقياد والطاعة لن يجد غير القمع والإقصاء وسلب الحقوق..