أقر مجلس الوزراء منذ نحو عام من الآن إنشاء الهيئة العامة للأوقاف لتتولى بموجب ذلك عدد من المهام التي نص عليها في ذلك القرار، من بينها إدارة الأوقاف التي تكون الهيئة ناظرة عليها واستثمارها على أسس اقتصادية وبأساليب تجارية بقصد حفظها وتنميتها، ولا يتضح من ذلك القرار التحديد الدقيق لتلك الأوقاف التي تتولى الهيئة الوليدة النظارة عليها، هل تقتصر فقط على أعيان الأوقاف التي يربو إجمالي عددها على السبعة آلاف عين وقفية في مختلف مناطق المملكة، أم تشمل كذلك الجوامع والمساجد التي يتجاوز عددها الخمسة وتسعين ألف جامع ومسجد في كافة المدن والقرى. أشير إلى ذلك من منطلق أهمية تنمية الإيرادات الوقفية للصرف على الأعمال التشغيلية للجوامع والمساجد في المملكة، التي نعلم جميعاً أنه بالرغم مما يبذل من جهد ومال في الانفاق على تأثيثها وصيانتها والعناية بها إلا أنها تتفاوت في هذا الجانب على نحو كبير، من حال مترد لبعض منها ومتميز للبعض الآخر، حيث تعتمد بصورة كبيرة في ذلك على ما يجود به الموسرون والباذلون من خير صدقاتهم لبيوت الله، فكما يعلم البعض أن ما يتم تخصيصه لقطاع الشؤون الإسلامية في الميزانية العامة وفقاً لخطة التنمية الحالية يزيد بقليل على أربعة مليارات سنوياً، وهذا المبلغ لو صرف جميعه على الجوامع والمساجد فقط دون غيرها من الأنشطة الأخرى في هذا القطاع، وهذا غير ممكن بطبيعة الحال، لما نال الجامع أو المسجد الواحد أكثر من خمسة وأربعين ألف ريال سنوياً..! شاملاً ذلك مكافأة الإمام والمؤذن وأعمال التشغيل والصيانة وخلافها من المصاريف الأخرى. وحين نلتفت لما تمثله الجوامع من نسبة تتجاوز 23% من إجمالي المساجد في المملكة، بمعدل جامع واحد من بين كل أربعة مساجد تقريباً، وكذلك ما تحظى به تلك الجوامع من تميز في مواقعها التي تختار بعناية على امتداد محاور الطرق الرئيسية، واستقطابها لمئات الآلاف من المصلين على مدار اليوم، وبالذات في أيام الجمع، واتساع الأرض التي تقام عليها في كثير من الأحيان لاشتمالها على مساحة تخصص مواقف للسيارات، خلاف منشأة الجامع والعناصر المرتبطة به، نجد أنه حري بالهيئة أن تؤسس صندوقاً وقفياً يخصص لهذا العدد الكبير من المساجد، يتم من خلال إدارته الإستثمارية إعادة تأهيل كثير من مواقع تلك الجوامع، من أجل استغلال ما يتاح منها في استيعاب أنشطة استثمارية لا تخل بالقيمة الدينية للجامع، بل تراعي حرمته الشرعية، مثل المكتبات ومحلات العطارة والصيدليات ونحوها، التي لا تخدش القيمة السامية لبيوت الله، بحيث يمكن من خلال تلك الأنشطة الاستفادة من العائد الاستثماري لأجزاء من مواقع تلك الجوامع الممكن توظيفها لهذا الغرض، وبالتالي الانفاق من ريعها على العناية بكافة الجوامع والمساجد التي تتزايد عاماً بعد آخر، تبعاً لنمو السكان، وتحتاج لموارد توفر باستمرار من أجل إنشائها وتشغيلها، في ذات الوقت يلم الصندوق من خلال قيامه بهذا الدور شتات الجهود المتناثرة القائمة حالياً في هذا المجال. إن هذا التوجه حين نمعن النظر فيه بصورة أكبر، سوف نجد أن فائدة الأخذ به لن تقتصر فقط على الجانب الاستثماري المادي، بل أن الأنشطة التي ستتاح إمكانية إقامتها واستمرار نمو عوائدها مع قصر ممارستها على المواطنين، ستوفر في المنظور القريب، فرص عمل جديدة مرتبطة بموقع كل جامع، وبالتالي إيجاد عشرات الآلاف من الفرص الوظيفية الجديدة من خلال تلك المواقع الاستثمارية التي سيتيحها ذلك الصندوق الوقفي، خلاف الوظائف التي سيوفرها تأسيس الصندوق ذاته.