تظل العلاقة بين الإعلام والاكتشافات العلمية علاقة غير محددة المعالم، وهي مشوشة أحيانا للقارئ الذي قد يحتار بين دراسة نشر خبر عنها في صحيفة ما تتحدث عن علاقة الطماطم بخلايا الذاكرة وبين دراسة أخرى نشرت عن مضار الطماطم الخطيرة ليحتار بين إضافة الطماطم لطبق السلطة أو الاكتفاء بالخس ليحسم الأمر في النهاية حسب بورصة الطماطم في السوق- وهذه أمثلة خيالية من ذهني لتقريب الفكرة لأنني لست خبيرة أو متابعة لأبحاث الطماطم ولا لأسعارها- ما أريد أن أقوله بعد هذا اللف والدوران هو أن القارئ لأي صحيفة قد يُفاجأ بدراسات بحثية متناقضة في فرضياتها واستنتاجاتها ونتائجها مما قد يضعه في حيرة. لكن المشكلة ليست في هذه الدراسات لأن من يمارسون البحث العلمي يعرفون أن لاتوجد نتيجة مطلقة وأن البحث العلمي مجال ديناميكي ومتحرك، لكن قد تكون المشكلة في توصيل هذه المعلومة بحيث تكون مفهومة للقارئ من خارج المجال العلمي الدقيق وأيضا في اختيار ما ينشر ومدى أهميته بحيث يتعدى كونه خبرا نسخ من محرر عملي من إحدى وكالات الأنباء إلى خبر له علاقة بالقارئ. أيضا ومع زيادة الوعي الصحي بدأت ظاهرة البرامج الطبية التي تتبناها القنوات التلفزيونية المختلفة منها ما هو توعوي منهجي بحت. ومنها ما تطغى صبغة الإثارة الإعلامية عليه، و كلاهما له جهموره وله دوره في إيصال الرسائل التوعوية والتثقيفية. كما أصبحت شخصية الباحث العلمي أو العامل في مختبر علمي من الشخصيات المحببة في المسلسلات التلفزيونية التي اشتهرت حاليا، وكأن الإعلام بكل مجالاته يعيد اكتشاف نوع آخر من البشر. كل هذه الأشياء قد تلفت نظرك وتجعلك تمارس هواية التأمل لتعرف كيف تغذية عقولنا إعلاميا. لعلي من هذا الكلام أحاول أن أرسم مشاهداتي المحدودة للعلاقة بين الإعلام والبحث العلمي، فمثلا من الأشياء التي ألاحظها أحيانا هي ادعاءات اكتشافية تأخذ مساحة عالية من التغطية الإعلامية لكنك لاتجد لها دليلا بحثيا في مجلة محكمة. فأي بحث علمي يقرر معلومة أو يقدم إجابة على لغز علمي صغير مصداقيته لا تحدد بخبر صحفي بل ببحث منشور في مجلة علمية محكمة تكون هي جواز سفره إلى المهتمين الذين قد يناقشون أو يحاولون تكرار التجربة وتكرار النتائج سلبا أو إيجابا أو بناء أبحاثهم عليها. والأمثلة كثيرة وليس على سبيل الحصر في عالم البديلات المصنعة التي تؤكد دورها في تقوية الذاكرة أو زيادة الذكاء دون تقديم دليل علمي موثق يؤكد ذلك. وهنا يأتي دور الوعي الفردي في انتقاء وفلترة ما يقرأه ووضع كل كلمة وحرف في ميزان العقل والمنطق.