أشاد الباحث والمفكر الروسي البروفيسور غريغوري كوساتش (باحث متخصص في شؤون الشرق الأوسط وأستاذ العلوم السياسية بجامعة موسكو) ومؤلف كتاب "تطور السياسة الخارجية السعودية - من تأسيس الدولة إلى بداية الإصلاحات" بمساعدة الباحثة الروسية يلينا ميلكوميان، أستاذ العلوم السياسية بجامعة موسكو، أشاد بالتطور الذي تشهده السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية، الذي دأبت عليها منذ عهد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن - رحمه الله - حتى عصرنا الحاضر، وأبدى إعجابه بالإصلاحات الداخلية التي شهدتها المملكة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود. وقال في حديث خاص ل "الرياض": لقد قمت بزيارة المملكة لمرتين، حيث شاركت في الزيارة الأولى في ندوة "صورة المملكة في وسائل الإعلام الخارجية" عام 2004م، والذي نظمته جمعية الإعلام والاتصال، وقدمت ورقة عمل خلال الندوة نالت استحسان ونقد الحضور في آن واحد، ونشرتها مجلة الدبلوماسي الصادرة عن وزارة الخارجية بالمملكة العربية السعودية، وصحف روسية أخرى، كما شاركت في حلقة نقاش نظمها معهد الدراسات الدبلوماسية بالمملكة، بعنوان "العلاقات السعودية - الروسية" وذلك عام 2006م، وأضاف بعد الزيارة الأولى تفاجأت بأن السعوديين غير العرب - قالها ضاحكاً - وتوقف قائلا: هذه وجهة نظري حقيقة، وقد أشرت لذلك خلال مقالات سابقة لي، حيث ظهر لي عقب المشاركة الأولى مدى جديتهم، وحرصهم، وانضباطهم في المواعيد، ولمست فيهم الرغبة الجادة، والإرادة الصادقة لمعرفة صورة المملكة في وسائل الإعلام العالمية، وبصراحة ذهلت من المستوى المتقدم الذي وصل إليه مستوى الحرية الفكرية بالمملكة، وهذا دليل على أن سياسة المملكة الداخلية والخارجية تتميز بمرونة كبيرة وتقدم مضطرد نحو التميز، حتى إنها باتت تتميز بتنوع أكثر فأكثر، وهو ما حاولت إبرازه في كتابي هذا، فسياسية الملكة تتميز أيضا بالشفافية، ذلك من منطلق ارتكازها على مبادئ متينة وراسخة. وأضاف ومما يزيدني سرورا ما نما إلى معلوماتي أنه قد تم تقديم توصيات ندوة "صورة المملكة في وسائل الإعلام الخارجية" إلى خادم الحرمين الشريفين للإطلاع عليها، وما يزيدني حبورا وجود الورقة التي قدمتها في الندوة من بينها. وحول اختياره عند تأليفه لكتابه اختيار موضوع "سياسية المملكة ومسيرة الإصلاح" أوضح أن ذلك يأتي من المكانة الإقليمية والدولية التي تحتلها المملكة، والثقل السياسي الذي تتميز به، ولك أن تعرف أن أي تغيير أو إصلاح أو إي حدث يحدث بالمملكة، فإن ذلك له انعكاسات تؤثر في الساحة الدولية قاطبة إقليميا وعربيا. وأشار إلى أنه قام بتأليف كتابين، الأول بعنوان "تطور السياسة الخارجية السعودية - من تأسيس الدولة إلى بداية الإصلاحات" (ترجم للعربية)، والكتاب الثاني بعنوان: "المملكة العربية السعودية - العمليات السياسية الداخلية في مرحلة الإصلاحات"، والكتاب الثالث:"تشكل وتطور السلك الدبلوماسي السعودي" (تحت الطبع)، وقد تلقيت خطاب شكر وتقدير من سمو الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية إثر إطلاعه على الكتاب، لافتاً إلى أنه اعتمد على العديد من المراجع والمصادر العربية التي يأتي من أبرزها كتاب: "السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية في مائة عام"، إضافة إلى المعلومات التي يطلع عليها من خلال قراءته للصحف التي يأتي في مقدمتها صحيفة "الرياض"، وتمنى في هذا الصدد لو تتم ترجمة كتبه، والعمل على توزيعها داخل روسيا من قبل الجهات المعينة، الأمر الذي سيشعره بتقديم خدمات جليلة لدولة تتمتع بثقل دولي يستحق الاهتمام والبحث، وفي ذات الوقت يعزز من الحضور السياسي للمملكة في المكتبات ودور النشر والبحث الروسية ما سيؤدي لتعريف الباحث والمهتم الروسي بالشأن السعودي وتزويده بالمفيد والنافع من المعلومات عن المملكة. ويقع الكتاب في 365 صفحة، من الحجم العادي، مطبوع بشكل فاخر، ومترجم للعربية، وقد راجعه وعلق عليه الدكتور ماجد بن عبد العزيز التركي، ويتحدث المؤلفان من خلاله عن سياسة التحولات في المملكة في الفترة من بداية التسعينات وحتى عام 2006. كما أنه يتناول ما سمي ب "مرحلة الإصلاحات" التي بدأت في المملكة في عام 2003 عندما أعرب خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - عندما كان ولياً للعهد آنذاك - عن الرغبة في البدء بإصلاحات ترمي إلى إصلاح النظام السياسي. واعتمد في فكرته - حسب المؤلفين - على الوثائق القانونية التي صدرت منذ بداية التسعينات. كما يؤكد الباحثان الروسيان أن الحوار الوطني الذي بادر به الملك عبدالله في يناير عام 2003 كان بداية تسارع العملية الإصلاحية. كما استعرض المؤلفان أهم اتجاهات ونظريات وآليات النشاط السياسي الخارجي المعاصر لقيادة المملكة العربية السعودية. ذلك من خلال تحليل جانب واسع من المصادر والوثائق الرسمية للمملكة بإبراز الطابع الإسلامي لسياسة الرياض الخارجية التي تستند على فهم واضح وتعامل مرن لأحداث العالم المعاصر والعلاقات الدولية. كما استعرضا أولوية العامل الإسلامي في السياسة الخارجية لقيادة المملكة واهتمامها بتعزيز التضامن العالم الإسلامي والتأكيد على دورها القيادي فيه، وقد خصص المستعربان الروسيان فصلا رئيسا في الكتاب للقضية الفلسطينية كواحدة من المسائل الأساسية والمهمة للسياسة الإقليمية للمملكة.. وأشار الباحثان في هذا الفصل إلى تاريخ تطور الموقف السعودية بشأن هذه القضية منذ عشرينات القرن الماضي وإلى الوقت الراهن. كما يتحدث هذا الفصل عن المساعدات السخية التي قدمتها المملكة للشعب الفلسطيني عن طريق المؤسسات الخاصة التي تم تأسيسها لهذه الأغراض، ومنها اللجنة الشعبية لمساعدة المناضلين الفلسطينيين، ولجنة دعم انتفاضة الأقصى. كما تطرق الباحثان في الكتاب بشكل مستفيض إلى المبادرات السلمية لحل هذه القضية ومنها مبادرة فاس التي تقدم بها الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود - يرحمه الله - من أجل إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، ومبادرة الملك عبدالله بن عبدالعزيز التي طرحها في قمة بيروت العربية في عام 2002. كما يعد هذا الكتاب غنيا بالمواد والأمثلة والمصادر التي تشير إلى المساعدات الاقتصادية الخارجية التي قدمتها المملكة العربية السعودية للدول الأفريقية والآسيوية، وكذلك حجم تلك المساعدات وطابعها المتنوع وأبعادها الجغرافية الواسعة. كما خصص المؤلفان قسما خاصا في الكتاب للمساعدات التي منحتها المملكة العربية السعودية لدول الاتحاد السوفيتي السابق، وخاصة جهودها الإنسانية الرامية إلى تخفيف معاناة اللاجئين والنازحين الشيشان. كما بحث غريغوري كوساتش ويلينا ميلكوميان في فصل خاص من الكتاب تاريخ العلاقات السياسية بين موسكووالرياض وما وصلت إليه في الوقت الراهن، وأشارا إلى التطور البطيء والمستمر في نفس الوقت لهذه العلاقات وفي مختلف المجالات ابتداء من أوائل التسعينات من القرن الماضي. وهناك فصل في هذا الكتاب تم تخصيصه لجهود المملكة العربية السعودية في مكافحة الإرهاب الدولي على المستوى الإقليمي والدولي. ويؤكد الباحثان على أن المملكة العربية السعودية أصبحت هدفا للإرهاب منذ بداية السبعينات وإلى حد الآن وهي تحاول أن تجد الوسائل والخطط لمكافحة هذا الخطر والحد منه. وقد وصل المؤلفان إلى نتيجة مفادها أن السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية تتسم بالاعتدال لأن عملية اتخاذ القرارات الخاصة بالسياسة الخارجية للبلاد محددة بشكل واضح ودقيق وتتميز بخاصية تعدد المستويات - أي أن قرارات السياسة الخارجية للدولة يقوم باتخاذها ملك البلاد والأسرة الحاكمة إضافة إلى تمتع الحكومة بصلاحيات معينة بهذا الشأن، وكذلك مجلس الشورى وعلماء المملكة مشائخها. ويخلص المؤلفان من خلال كتابهما إلى ثقتهما بترسيخ وتعزيز موقع المملكة العربية السعودية على مر الأيام على المستوى الإقليمي والدولي بسبب اتزان سياستها الداخلية والخارجية، ووضوح أهدافها المرسومة، وصدق توجهاتها التي ترتكز على مبادئ راسخة ومتينة. غلاف الكتاب