حتى تتخطى ثورة الشارع المصري أيامها الأولى، فالحوار والاتفاق على خطوات تتجاوز الغضب العارم، أن تأتي القواسم المشتركة بين الفرقاء منسجمة مع الآمال التي ينشدها الجيل الشاب الذي قاد الثورة.. طبيعة المراحل الأولى أنه ليس من السهل خلق إجماع عام أو ائتلاف وطني يخرج باتفاق تنبني عليه قرارات المرحلة، والمخاطر تأتي حين تفكر كل كتلة أو حزب أو جماعة، بخطف الانتصار لتشق جبهة التوافق المرحلي، لأن الرصيد الشعبي لأيّ من هذه التنظيمات وقياسه على الواقع، لا يتم إلا بعد الارتهان للانتخابات المراقَبة قضائياً وشعبياً وفق تقديرات وحسابات دقيقة.. في مثل هذه الثورة، حدث أن برزت شخصيات في واجهة الحكم جاء خيارها لقبول الرأي العام بها، ثم جاءت من الخلف عناصر الحكم الحقيقي، لتقوم بصنع البدائل من واجهات غير مفهومة، ثم تواصلت حالات التغيير في مؤسسات الدولة وغيرها بما فيها إعادة التركيبة الجديدة للأمن والجيش، حدث هذا في إيران، اعتقل سياسيون وجنرالات البعض ساهم في حكم الشاه وكان صانعاً أو ضالعاً بما اعتُبر جرائم النظام السابق.. في مصر لا توجد واجهات، حتى الذين يقفون أمام المشهد العام هم خليط من الحكومة والأحزاب، والطابع العام عليهم أنهم في عمر الشيوخ والكهول، وعملية دمج الشباب معهم جاءت تلبية لحقيقة أنهم وعاء الثورة، وبالتالي لابد من جيل جديد يأخذ مركزه ودوره في التغييرات القادمة، لأن معظم النظم العربية في حالة شيخوخة في العمر والتفكير، بدليل أن التجديد يأتي بطيئاً، وإن جاء، فلا يحمل سمات الشباب، بل في الغالب يأتي من حزام الدولة من الصف الثاني الذي لم يتقرر تقاعده بفعل قانون السن.. الفوارق في مصر ليست كبيرة، فالغالبية هم قطاع فلاحين، وموظفو دولة، وشركات، وقلة رأسمالية، وليست الطائفة بين الأقباط والمسلمين ظاهرة تهدد الأمن، بل هي حالة تنتمي لواقع عربي، أفلس سياسياً، فانجرّ للخلافات المذهبية والدينية.. تقدير النوايا وتحديد الأهداف، وقوائم المطالب اقتصرت على قضية الفراغ الدستوري بإنهاء حكم الرئيس حسني مبارك، بينما هناك قانونيون وحقوقيون يرون عكس ذلك، لأن السلطة لم تلتزم بحرفيته وتنفيذه، وهذا الخلاف محل الجدل القائم بين المؤيد والمخالف، والخشية أن يلتف النظام على هذه المسألة ويطيل في عمره وتجديده.. خروج الجماهير العربية في تونس ومصر وغيرهما يؤكد رفضها اختزال الوطن بمفكريه وعلمائه وقضاته، وطلائعه في شخص واحد، وبالأخص تلك الجمهوريات التي قفزت على الحكم وتوارثت التسلط البوليسي وخلق أحزمة من رجال الشرطة والمنتفعين ليكونوا إطار الحكم، والبديل عن الشعب، بينما في الظروف الراهنة، صار الالتجاء للشعب ليس مسألة خيارية بل فرضية، ومصر، وإن ولدت ثورتها بلا واجهات قيادية، كما تعودناها في الثورات الأخرى، إلا أنها تعبير غير مسبوق بأن تكون طلائعها من الشباب الذين سيرسمون خطهم ومستقبل بلدهم حراً وديمقراطياً..