بالأمس كانت تونس مسرحاً لثورة شعبية طال انتظارها، واليوم تعود مصر الى تاريخها النضالي ليقول شبابها بلسان مصري واحد: «الشعب يريد إسقاط النظام». كثيرة هي التحليلات والتوقعات التي أفادت بأن تونس ستصدّر ثورتها الى جميع الدول العربية، وفي مقدمها أرض الكنانة، مع تأكيد وجود بعض الخصوصيات السياسية، الجغرافية والاجتماعية التي من شأنها ان تعيق وصول طلائع الثورة التونسية الى القاهرة. إلا أن الشعب المصري قلب كل المعادلات، فلم يكن بحاجة الى المعلومات التاريخية الدالة على حيويته وحماسته في أحداث التغيير الداخلي، لأنه مجتمع يتمتع بذاكرة نضالية تحررية طويلة متى شمت عن بعد رائحة ثورة ما هرعت تحتضنها وتمهد لها الطريق بهدف استقبالها. وهذا ما حدث فعلاً عندما تقدم شباب مصر وشاباتها «ميدان التحرير» بتحركات عفوية من دون أن يكون هناك أي موجه أو قائد لهذه التحركات سوى الشباب أنفسهم. إلا ان الخوف اليوم هو ان تأتي المعارضة المصرية التي لا تمتلك أي مشروع وطني بديل عن النظام الحاكم، الخوف ان تأتي على صهوة جواد شباب 25 يناير لتتسلق سلم الحكم في مصر، ضاربة عرض الحائط نضالات شباب ميدان التحرير ودماء الشهداء. لذا لا بد من تشكيل لجنة متابعة من قبل صناع الثورة الذين قادوا التظاهرات المليونية لسببين الأول لعدم السماح لمن لم يكن لهم أي دور في بداية الحركة الاحتجاجية ثم ما لبثوا ان انضموا اليها عندما وجدوها قابلة للحياة، فيتربعون عن غير حق على عرش مصر. والسبب الثاني يتمثل في أحقية هؤلاء الشباب الذين يصنعون تاريخ مصر الحديث ان يكونوا هم في الواجهة وان يقرروا مع شعبهم الذي لبى النداء بالنزول الى الميادين، مصير المستقبل الذي يبدو انه بعد 30 سنة أشرق من جديد. إلا ان هذا لن يتحقق الا في حال وضع هؤلاء الأحرار خريطة طريق سياسية تكون بمثابة الدستور الذي ينطلقون منه والا ستكون كل النجاحات التي سجلت في الأيام الأخيرة عبارة عن سراب. لأن الأهم مما حدث بالأمس هو ماذا سيحدث غداً وكيف سيواجه الشباب المعوقات الدستورية والسياسية وحتى الاقتصادية طالما انه لا يملك أي وثيقة يعمل من خلالها؟ تعود مصر بثورة شبابها الى ذاتها وتاريخها وأهلها، تعود لتلعب الدور التاريخي المناط بها بأن تكون الأم الشرعية لكل الثورات العربية والمقصد الرئيسي لشباب عربي ضاق ذرعاً بأنظمة الاستخبارات وأساليب تعذيبها، يريد أن يتوجه إليها لتعطيه دروساً بكيفية التخلص من الذل والعار والانطلاق نحو الحرية التي تساوي في حياة الفرد كل شيء. الحرية عائدة الى العالم العربي بصرف النظر عن الزمان والمكان والآلية، وهي آتية في شكل منظم. شعبا تونس ومصر يعيدان اليوم كتابة تاريخ الأمة العربية من جديد، لكن ليس بعين مؤرخ أو معاصر للأحداث وإنما بدماء معاناة جيل صنع الحدث وقاد الثورات.