كان المسافر لسنوات خلت يحمل بيده عبر المطارات جواز سفره وتذكرة وشهادة اللقاحات الصفراء كالمرض. وكنا نخشى التوقيف في المطارات لأن غياب تلك الشهادة يعني استحقاقك للقاح يمرضك فترة السفر وهذا ما حدث للكثير. وأصبحت تلك الشهادة من أدوات الماضي واختفت معها ثقافة التوعية باللقاحات. واليوم تمثل بعض عيادات الأطباء ثقافة التوعية التي يؤمن بها هذا الطبيب أو حتى الممرضة التي تعنى بترتيب العيادة. فبعض العيادات لا تختلف عن ممر مخصص للإعلانات التجارية عن الكثير من المستحضرات الصيدلانية والطبية,وأخرى تشبه مكاتب العقار وما يوزع فيها من كتيبات ونشرات "انشر تؤجر", وثالثة تصيبك بالهلع من نشرات التخويف من الأمراض وغيرها . وفي وسط هذا التعدد الثقافي تشد انتباهي بعض العيادات التي تخرج منها بالكثير من المعلومات الطبية والحياتية. وكانت لي تجربة الأسبوع الماضي في عيادة دكتور متخصص في طب الأطفال الوقائي ,فغرف عيادته تشبه إلى حد كبير جدران الحكمة في الجامعات. فعليها رسوم التفاعل مع زوار العيادة من الأطفال ومقتطفات من الحكم الوقائية الصحية، ولم تسلم حتى أسطح المكاتب من لوحات المعرفة. وفي هذه الأثناء لفت انتباهي لوحة عن تطعيمات الكبار فسألت الدكتور بشيء من التندر هل هذه اللوحة تعني مطالبة الآباء والأمهات بفتح ملفات في عيادات الأطفال؟فالتفت إلي بحماسة الطبيب المؤمن بفكره وقال :" ولو! مو أنت اللي يحكي هيك". وبعدها بدأ يشرح أهمية التركيز على الطب الوقائي بنفس الأهمية التي توازي الطب العلاجي. ولو نظرنا إلى خارطتنا الصحية لوجدنا أن التركيز الفعلي هو على مراكز العلاج من مستشفيات ومستوصفات وغيرها, أما الطب الوقائي من توعية وتحصين فنجدها في ذيل القائمة. تتذكرون سيئة الذكر "إنفلونزا الخنازير" وكيف أن الوقاية كانت أهم المتطلبات ومن التحصين نفسه. كنتُ في الدوحة في الأسبوع الماضي للمشاركة في توزيع جائزة التميز في الإعلام الصحي بدول مجلس التعاون, وجمعتني الصدفة بالدكتور زياد ميمش وكيل وزارة الصحة للطب الوقائي وطرحت عليه نفس التساؤل فوجدت انه أكثر حرصا وحماسا واهتماما بالطب الوقائي. وهو يرى أن مسيرتنا الوطنية في الطب الوقائي تعمل بشكل تكاملي ولا تقتصر فقط على وزارة الصحة وإنما على القطاعات الطبية في بقية أجهزة الدولة من قطاعات عسكرية ومدنية وتربوية. وضرب لي مثلا بأهمية لقاحات الكبار في الطب الوقائي وقد تم تطبيقها في الحرس الوطني. ويبشرنا الدكتور ميمش بأن اللجنة الوطنية للقاحات تعمل من اجل نشر الوعي الوقائي وتوضيح جدول التحصينات الموسع للمواطنين والتعاون مع قطاعات التربية والإعلام في نشر وتعزيز ثقافة الوقاية المبكرة. ولا يختلف الدكتور المختص مع هذا الطرح فهو يرى أن غياب الوعي وتعزيز المعارف الطبية قد بدآ ينسحبان حتى على بعض الأطباء الذين يحتاجون الوعي أكثر من عامة الناس, ويؤكد هذا الموضوع ضاحكا بأن بعض الأطباء ينصح الحامل بعدم اخذ لقاح الإنفلونزا بالرغم من أن هذا اللقاح طور خصيصا لحالات مهمة منها الحوامل. وبالعودة إلى لقاحات الكبار نجد أن التجمعات البشرية كالحج والمدارس والسجون أصبحت تستوجب الاهتمام بالطب الوقائي واللقاحات أكثر من ذي قبل بسبب إمكانية انتشار الأمراض بين تلك الجموع. ويقع على عاتق المؤسسات الإعلامية عبء كبير في متابعة الموضوع الطبي ونشر ثقافة الوعي والحقوق الصحية للناس. ففي عالم الإعلام الرقمي الآن تستطيع التعرف على اللقاحات الخاصة بالكبار والمطلوب أخذها بناء على توصية مراكز الحد من انتشار الأوبئة أو وفقا لمعايير الجمعيات العلمية للطب الوقائي وغيرها وهذا مكمل للإعلام المقروء والمسموع والمرئي. ومن هنا أود أن أزف التهنئة لصحيفة الرياض لفوزها بالمركز الأول بجائزة التميز للإعلام الصحي نتيجة صفحاتها الطبية المتخصصة وغير التجارية. فهذا التميز يضاف إلى منظومة التميز التي تحصدها هذه الصحيفة عاما بعد عام.