كتاب (تحسين القبيح وتقبيح الحسن) مؤَّلف تراثي شهير وطريف ومتميز في موضوعه ألَّفه أبو منصور عبدالملك الثعالبي (ت 429ه)، وقد قام في هذا المُصنف بجمع ما قيل من شعر ونثر "في تحسين ما تم التعارف على تقبيحه وتقبيح ما اتُفِق على تحسينه"، ومن الأشياء الكثيرة التي ذكرها وتم تحسينها مع قبحها في نظر الناس: الموت والكذب والوقاحة والفقر والبخل والجبن وأمور كثيرة غيرها، ومن الأمثلة على تحسين الجُبن والفرار ما ذكره النيسابوري: بأنه رُئِي شيخٌ كبيرٌ من الجند في بعض الحروب وقد تأخر عن الصف، واستعدَّ للهروب، فقيل له: أتأخذُ رزق السلطان بهذا الجبن؟ فقال: لو لم أكن جباناً لما بلغتُ هذه السنّ العالية"، وكان بعض الجبناء يقول: فرَّ أخزاه الله خيرٌ من قُتِلَ رحمهُ الله"!. وفي المُقابل يذكر شواهد نثرية وشعرية كثيرة على تقبيح أشياء استحسنها الناس كالعقل والعِلم والغِنى والمَطر والتأني والصبر والشجاعة وغيرها، ونجد لدى الشعراء الشعبيين أيضاً كثير من المحاولات الجميلة والمتميزة في تقبيح الحسن وتحسين القبيح، فالشاعر فهد عافت يُحسِّن في أبياته التالية صفة خَلقية قد يتفق معظم الناس على قبحها أو عدم استحسانها وهي (حول) العينين بابتكار صورة فريدة وطريفة: في عيونها مسحة حور يا حلاها حور واغايضها وأقول الحول فيك والصدق تدري عينها وش بلاها من زينها هذي تبي مشاهدة ذيك! ويُحاول الشاعر فهد المساعد مُحاولة جميلة لإثبات أن دموع الرجل ليست عيباً وخزياً في كل الأحوال، كما أن الضحك لا يكون أمراً مقبولاً ومستحسناً في جميع المقامات: الدمع ما هو عيب رح علَّم اللي يقول عمره ما بكى في حياته الدمع ما يقطع صلاة المصلي والضحك مثل ابليس يقطع صلاته! وللشاعر عبدالله علوش أبيات يُقنعنا فيها بأن (الوصل) بين العشاق لا يُستحسن دائماً وأن الصّد ليس سيئاً لأنه يُجدد الحب والشوق: كثر المواصل بالهوى ما هو بزين ودك بخلّك بين مدّه ومدّه لأن البني آدم ما ترك طبعه الشين لا حب له شي وشبع منه هدّه لكن لا منّه جاك من حين لي حين قدّرت جياته وقدّرت صده وتؤكد لنا هذه الشواهد الشعرية كما أكّد لنا كتاب (تحسين القبيح وتقبيح الحسن) للثعالبي بأن مُعظم الأشياء في هذه الحياة يُمكن أن ننظر لها بعين (الرضا) والإعجاب فنراها رائعة وجميلة، أو ننظر لها بعين (السخط) والكراهية فلا نرى منها إلا السوء والقُبح ..!