قد يكون المشروع الأبرز في حياة الروائي الأمريكي توماس هاريس هو مجموعة أعماله الروائية عن القاتل المتسلسل آكل اللحوم البشرية الدكتور هانيبال ليكتر. فقد كتب عنه حتى الآن أربع روايات تدور في خط زمني يتراوح بين الحاضر والماضي بشقيه القريب والبعيد. ولا شك أن الشهرة الطاغية لأعماله الروائية التي ابتدأها ب"الأحد الأسود" عام 1975م والتي كانت تدور حول أحداث أولمبياد ميونخ عام 1972م، بدأت مع "هانيبال ليكتر" في "التنين الأحمر" الرواية التي نشرها في عام 1981م، وكانت تتحدث عن قاتل متسلسل آكل لحوم بشرية يدعى "جنية الأسنان" يصطاد العوائل بطريقة تبدو عشوائية، ويقتلها عند اكتمال القمر دورياً. جاك كروافورد عميل الإف بي آي يطلب من ويل جراهام خبير تعريف الشخصيات والقادر على تتبع خيوط جرائمهم واستباقها، والذي ترك هذا العمل بعد أن كاد يذهب ضحية الدكتور هانيبال ليكتر، الذي كان هو الآخر مستشاراً للإف بي آي في تتبع بعض القتلة المضطربين نفسياً، كونه طبيباً نفسياً ورجلاً مرموقاًُ في مجتمعه العلمي. توماس هاريس في صمت الحملان الجزء اللاحق للرواية والصادر عام 1988م، نجد أن ليكتر يقبع في مصحة خاصة بالمجرمين في بالتيمور، وليس هناك من أثر لجراهام المدمر جسدياً ونفسياً إلا في الأحاديث المقتضبة بين شخصيات الرواية، بينما تبرز شخصية كلاريس ستارلينغ العميل المتمرن الذي ينضم لصفوف الإف بي آي، لتبدأ خبرتها الميدانية من خلال قضية "بافلو بيل" قاتل متسلسل آخر آكل للحوم البشر، كان أحد مرضى ليكتر سابقاً. هنا يحدث اللقاء الأبرز بين شخصيات هذه الرواية التي حققت مبيعات هائلة لهاريس، الذي قال في أحد تصريحاته إنه يستطيع أن يبقى عاطلاً عن العمل طوال حياته جراء المبيعات المستمرة للرواية وشهرتها، والتي ازدادت بعد تحويلها إلى فيلم سينمائي عام 1991م من إخراج جوناثان ديمي وبطولة كل من أنطوني هوبكنز وجودي فوستر ومشاركة سكوت جلن. حاز الفيلم على خمس جوائز أوسكار رئيسية لأفضل ممثل وممثلة ومخرج وفيلم وسيناريو مقتبس، كمنجز نادر في تاريخ السينما لا يشاركه فيه سوى فيلمين هما "حَدَث ذات ليلة" لفرانك كابرا عام 1934م، و "وآخر طار فوق عش الوقواق" لميلوش فورمان عام 1975م. يمكن القول بأن "أنطوني هوبكنز" حمل معظم فيلم ديمي على كتفي قدراته التمثيلية الهائلة، مما جعل تلك الشخصية المتخيلة روائياً والمجمدة للدماء في العروق أحد أبرز أدواره والأشهر بين جمهوره الواسع، كما أن جودي فوستر أدت في المقابل دوراًً لا يستهان به، لكن هذا لا يعني تجاوز الإخراج المتميز لجوناثان ديمي، الذي استطاع خلق جو متوتر يبدو واضحاً منذ اللحظات الافتتاحية للفيلم في الغابة، وحتى المكالمة الأخيرة للعميلة ستارلينغ من د. ليكتر. توماس هاريس