في الحلقة الثالثة من ملف (المملكة.. وحقيقة تقارير الظل) نضع بعض الأسئلة التي تطرق أبواب بعض الوزارات والهيئات الرسمية منها وغير الرسمية، ثم وجهة نظر الباحثين والمهتمين بها من أجل الوقوف على التالي: ماهي الاستراتيجية التي تنتهجها هيئة حقوق الإنسان في التعامل مع هذه التقارير؟، وكيف لها أن توعي المجتمع في ذلك؟، وماهي الرؤية التي لابد أن تنطلق منها هيئة السياحة والآثار فيما يتعلق باستقبال الوفود السياحية؟، ثم كيف لها أن تستثمر مثل هذه المناسبات في تقديم صورة حقيقية عن واقع المملكة خلافا لما تبثه تلك التقارير؟، وإلى أي مدى قامت بعض السفارات السعودية في الخارج بدورها الحقيقي في نقل صورة واقعية عن المملكة لتدحض المعلومات المغلوطة التي تبثها الكثير من المنظمات؟، وكيف لها القيام بدورها؟، وهل تكفي المعارض والزيارات المتبادلة لتصحيح الصورة؟.. حصيلة الإجابات في التحقيق التالي. هيئة حقوف الإنسان في البداية أكد "د.بندر العيبان" -رئيس هيئة حقوق الإنسان- على دور الهيئة في بناء الصورة الصحيحة للمجتمع، من خلال تعاطيها مع تلك التقارير. وقال:"إن الهيئة تتعامل مع محتوى هذه التقارير من منطلق النظر إليها بكل جدية، وموضوعية، ومعالجة مافيها من ملاحظات بنّاءة -لكنه في الوقت نفسه- يلاحظ أن بعض هذه التقارير، يعتمد على معلومات غير دقيقة، وغير موثقة، أو أنها تبالغ في حجم ماتحتويه من إدعاءات، كما أنها تتجاهل الجهود الكبيرة التي تبذلها المملكة، ولا تشير تلك التقارير لهذه الجهود"، مؤكداً على أن المملكة لم ولن تكون قراراتها وسياساتها مبنية على ردات الفعل لأي تقرير، بل تأتي امتداداً لسياساتها، وخططها التنموية التي تضعها الحكومة، وفقاً لما تراه محققاً لمصالح المملكة، ومصالح شعبها؛ منطلقة في ذلك من نهجها الذي يستند إلى الشريعة الإسلامية، وقيمها السامية التي تدعو إلى حفظ كرامة الإنسان، مع تأكيده على انفتاح المملكة، ورغبتها في الإفادة من التجارب العالمية في جميع المجالات متى ما كانت هذه التجارب متوافقة مع الشريعة الإسلامية الغراء، والنظام العام للممكلة كوننا جزءا من هذا العالم. د.العيبان: سياسة المملكة لا تعتمد على «ردة الفعل»..والتقارير تجاهلت المنجزات وأشار إلى أن مؤسسات الدولة تقوم جميعها برعاية كل مايهم المواطن والمقيم، من خلال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية الغراء، والأنظمة والتعليمات المعمول بها التي تكفل وتعزز حماية الحقوق للجميع، كما أن مؤسسات المجتمع المدني لها دور مهم، ورافد من روافد عمل الدولة التي تحرص على تأكيده ودعمه. أ.د.سليمان العقيل دور هيئة السياحة وعلّق "عبدالله الشمري" -المستشار وخبير الإعلام الدولي- على الدور الذي لابد أن تقوم به الهيئة العليا للسياحة والآثار، حيث يرى -بحسب إحصاءات هيئة السياحة 2009م- وصول أكثر من ثلاثة ملايين سائح إلى المملكة سنوياً من الفئات المثقفة؛ بهدف حضور المعارض، والمؤتمرات، والمنتديات، والاجتماعات، موضحاً أنه من خلال ذلك فلابد من الإفادة من تواجدهم، وذلك بتمديد مدة إقامتهم، وإيجاد برامج سياحية لهؤلاء السياح؛ للتعريف بثقافة وتراث المملكة. وقال:"إن أرض المملكة تحتوي على قبلة المسلمين ومهد الأصالة العربية، وهي موطن حضارات كثيرة، مثل مدائن صالح والأخدود، متحدثاً عن أهمية إقامة المؤتمرات، والمنتديات، والتي تعد وسيله فعالة في تحسين صورة المملكة ومكانتها أمام العالم، كما تعزز مفهوم حوار الحضارات، لما لهذه الفعاليات من أبعاد ثقافية كثيرة مثل توطين المعرفة، وجلب الخبراء، وتبادل الثقافات وتنشيط التقاليد". السفارات في الخارج وأضاف: ان دور السفارات في الخارج مهم جداً للإسهام في نقل صورة حقيقية وواضحة عن المملكة بخلاف مايطرح في تلك التقارير، حيث ان السفارات في الخارج -وفق الاتفاقيات الدولية- لها مهام محددة، ولذا يجب عدم تحميل السفارات أكثر ممن تحتمل، ووزارة المالية يجب أن تتفهم دور السفارات بشكل أفضل مما يصرف لها حالياً، خاصة في مجالات العلاقات العامة والدعوات وحملات الرأي العام، موضحاً أن معظم الدبلوماسيين يقومون بجهود مشكورة للتواصل مع المجتمعات التي يعملون بها، وتكوين صداقات وتقوية الروابط مع الشخصيات العامة، والمفكرين، وصانعي القرار في الدول الأخرى؛ لإعطائهم صورة حقيقية عن المملكة، وهنا يجب دعمهم؛ لأن معظم هؤلاء يقوم بتحمل تكاليف مالية من حسابه الشخصي لمواجهة بعض التكاليف نتيجة جهوده العلاقاتية. د.العقيل: المجتمع بحاجة إلى «تحصين الوعي» بقيم المواطنة و«مسؤولية الوحدة» التوافق الاجتماعي وقدّم "أ.د.سليمان بن عبدالله العقيل" -أستاذ علم الاجتماع جامعة الملك سعود- رؤية لردة الفعل الاجتماعية من هذه التقارير، حيث يرى أن الكثير من الناس يرغب العيش في أمن وسلام وتوافق اجتماعي، وتسعى معظم المجتمعات على إيجاد بيئات اجتماعية حاضنة لمثل هذا الجو العام في المجتمع. وقال:"إن عماد هذا التوافق الاجتماعي والأمن والسلام الاجتماعي هو الرضا والقبول والتسليم بالقيادات الاجتماعية المختارة والمتوافق عليها، ومن ثم القبول والرضا والثقة بما تقوم به، وبما سوف تقوم به، من خدمة للمجتمع بفئاته الاجتماعية ومحاولة التتبع لمواطن الحاجة والاحتياج، وكذا السعي الحثيث نحو بناء ثقة دائمة ومستمرة لدى المواطن، وكذا جميع الفئات الاجتماعية المختلفة". وأضاف: "لقد كانت الدولة السعودية بجميع حكامها منذ التأسيس وحتى اللحظة، تسير وفق هذا النهج؛ لأنه الأصل والقاعدة والثابت في الحياة الاجتماعية في المجتمع السعودي، وهكذا كان التوافق الاجتماعي عبر تلك السنين"، مشيراً إلى أنه وبالرغم من هذه الصورة - شبه المثالية للفكرة - فإن بعض التطبيقات تحيد بعض الوقت وفي بعض التطبيقات، سواء كان ذلك من خلال بعض الشخوص المحسوبين على النظام، أو من خلال بعض التنظيمات التي ترى أنها جيدة للمجتمع، وفي الممارسة تعطي الاتجاه المعاكس، مضيفاً أنه من المعلوم أن كل نظام اجتماعي له بعض الثغرات، أو الممارسات التي لا يشكو منها أبناء المجتمع، غير أنها تكون-حسب التوصيفات- من هم خارج المجتمع أو من الخارجين عن المجتمع تعتبر شقوقا يدخل إلى المجتمع منها. د.بندر العيبان المسطرة الثقافية والأخلاقية! وأشار إلى أن تضخيم هذه التقارير يخرج من مؤسسات عالمية لا يظهر فيها الحياد، وكذا تكون معاييرها وفق مجموعة من المسلمات الثقافية، والتاريخية لفئة أو لثقافة مجتمع معين، يراد أو يحتذى بهذه الثقافة، أو بهذه المسلمات التاريخية، ومن ثم تكون النتيجة والمحصلة النهائية هي الاستعمار الثقافي والفكري الخفي، مؤكداً على أن هذه التقارير ظالمة للمجتمعات؛ لأنها ليست وفق المسطرة الثقافية والأخلاقية لها، وهي أيضاً لم تراع الاختلافات الفكرية والتاريخية والثقافية والاجتماعية والدينية للمجتمعات الأخرى، فكل مجتمع لدية مجموعة من المسلمات ذات الجذر الثقافي والتاريخي، وهذه المسلمات متوافق عليها المجتمع، وراضٍ بها، ويمارسها كحق أو كمعطى اجتماعي، تاريخي، تراثي، ثقافي، فنقده وإصدار التقارير حوله على أنه انتهاك أو مخالفة لمبدأ معين من مبادئ تلك المؤسسات هو انتهاك صارخ لحق المجتمع والتعدي على أولوياته ومسلماته. الشمري: على وزارة المالية دعم السفارات وهيئة السياحة لقيادة «مهمة التنوير» وقال:"حينما تخرج مثل هذه التقارير-ونحن لا نصادر حق أحد في النقد- يتلقفها البعض ممن في قلبه هوى، ويحاول بكل قوة تصديقها والحكم على المجتمع بالانتهاك والتخلف والتقصير وغير ذلك مما يسهم في توكيدها، أو من خلال الاستمرار في ممارستها بشكل أسوأ وتعزيزها في المجتمع"، مشيراً إلى أن مستوى الوعي الاجتماعي للمواطن السعودي -بعد الانفتاح الثقافي على المجتمعات والثقافات الأخرى- قد قل عما كان عليه الآباء والأجداد من الإصرار على التمسك بوحدة المجتمع والدفاع عنه كدفاع عن الوطن، والتمسك بولي الأمر كقضية دينية غير قابلة للنقض أو التفكير في التنازل. وأضاف:"ان ذلك الانبهار بما يسمع ويشاهد من المبثوثات في الفضاء، ومن ثم التصديق بدون وعي كاف عما كان عليه المجتمع أو بما يحويه المجتمع، ثم ينجرف نحو التصفيق لكل من يسيء له، ولكن هذا المسيء يعتبر التصفيق موافقة كلية من المجتمع، وهذا بكل صدق وأمانة ليس سوى ضحك على النفس والمغفلين". تغير ذهنية الجيل الحالي وقدّم "د.العقيل" حلولاً لتدعيم وعي المواطن، وقال:"هذا التغير في ذهنية الجيل، وتمكن كثير من التقارير المغرضة والمضللة التسلل إلى ذهنية البعض وتصديقها يعطي مؤشراً على الحاجة إلى زيادة الاهتمام بذهنية الجيل، من خلال برامج تركيز المواطنة، وتعزيز قيمة الوطن في نفوس أبناء المجتمع، والتماس متخذي القرار بالبحث في المعطيات وتجاوز العقبات. وقال"إن المجتمع السعودي قام على دعامتين رئيسيتين هما الدين الإسلامي، والمحتوى الاجتماعي، وهما قضيتان متداخلتان ومتمازجتان ومتكاملتان، وكل قضية تؤثر بشكل واضح في الأخرى، وهذا التمازج يعطي درجة عالية من الحراك، والتجديد، والتغير في المواقف والتناول للقضايا الاجتماعية والدينية، ولذلك يمكن القول ان: تطوير المواقف والقضايا الاجتماعية والمحتوى الثقافي للمجتمع السعودي يجب أن تنبع من خلال القرارات الاجتماعية، المتماشية مع التجديد، والتغير المستمر والصحيح، والصالح لحياة الناس والمجتمع، وحركة المجتمع نحو المستقبل ممزوجة بالغطاء الديني الذي يشكل المصدر الرئيس لحركة الحياة في المجتمع المسلم بشكل عام والمجتمع السعودي بشكل خاص"، مطالباً بالبعد عن الرؤى الأحادية في التفكير والاستنتاج والممارسة، وبعيداً عن حمل المجتمع على وجهات نظر معين قد لا تتوافق مع واقع الحياة الاجتماعية المعاصرة المتجددة، فالدين الإسلامي دين تجديد ودين معاصر. وأضاف:"إن المسؤولية الاجتماعية نحو المجتمع وصلاحه والاستمرار في ذلك هي مسؤولية دينية وأخلاقية وتنظيمية وغير ذلك، فهي تقع على الجميع، بدءاً بالأسرة، وتستمر لتشمل جميع المؤسسات الرسمية وغير الرسمية وفئات وتنظيمات المجتمع، ذلك أن المجتمع بالجيل الجديد يحتاج إلى تقوية الإحساس بالوطن والمواطنة، وكذا بالحب الشديد والدفاع عنه في كل الأوقات، وعلى جميع المستويات، والتنبيه على أن العداء للمجتمع ينبع من النظرة إليه، فإذا نظر إليه على أنه مجتمع قوي متماسك يحمل فكرته ويدافع عنها ويحوي مقدرات وخيرات كثيرة، وإذا كان مجتمعاً ليس له قيمة، أو أنه لا يشكل قيمة على الصعيد الديني والاقتصادي والسياسي فإنه ليس له أعداء.