كنا في محل معروف للمفروشات في مساء خميس ولا ادري كيف وجدنا انفسنا هناك , ولكن الحال بيمشي مثلما يقال. ووسط الزحام بدت عائلة تدور حول المكان بمنهجية متعاونة. الام والاخت والاب كلهم ينادون على طفلهم الضائع على ما يبدو, ولأن المكان يولي الاطفال مساحة واهتماما فقد جاءت النداءات متتالية عبر الميكروفون بحثا عن الطفل. تحركنا واتجهنا إلى قسم آخر من المحل لنواجه الاسرة مرة ثانية . الاب يلف ويدور على عجل . "فين الولد! فين الولد!" يصرخ اثناء ركضه . الجميع تعاطف لاشك ولكنهم توقعوا ان يجده رغم حالات سرقة المواليد التي باتت تحدث في المستشفيات والاماكن العامة . زيارة العائلة حدثت دون تخطيط على ما يبدو فالاب يرتدي ثوب المنزل ويهرول وهو ينادي. فجأة يخرج الطفل ذو الثلاثة اعوام من تحت طاولة كان يغطيها مفرش ما , عيناه تضحكان في شقاوة الاطفال , يحاول الاختباء مرة ثانية . الناس ترتاح من دراما البحث ولكن الاب ما ان يراه حتي يهرع باتجاه الصغير, يمسكه من رأسه وينهال عليه ضربا ! الطفل يرتطم بالارض من فرط قوة الصفع ,ابوه يلتقطه ويضربه ثانية .الصغير يصرخ ويكاد نفسه يتوقف, ونقف نحن في ذهول من كل هذه القسوة . أكان والده يترجم شدة مخاوفه وغضبه على جسد ومشاعر طفله ؟ ما هذا، هل هو الجهل ، أم هو الضيق الذي سببته له اسرته بالخروج بهم حتى يغيروا جوا، وليجد نفسه في موقف لم يكن متوقعا؟! تصرفه غير مفهوم ولكن اسلوب الضرب الوحشي الذي تعرض له الصغير يجعلنا نتساءل حقيقة , هل الآباء اصبحوا بحاجة إلى تثقيف تربوي كي يتعلموا التعامل الامثل مع فلذات الاكباد ؟ أين فطرة الحب والرحمة ؟ * * * على الطرف الاخر واجهنا طفلا مدللا بإفراط ونحن نقف انتظارا للمصعد, فقد اخذ يضرب على زر الاستدعاء ويضرب بقوة غير عابئ بتوسلات امه كي يركد, او بكلمات ابيه اللينة املا باستمالته كي يتوقف حتى لا يلفت النظر او يفشّلهم . طبعا كل التدابير المعالجة لم تفلح وبدا العفريت يتمادى في خبطه بعد أن رأى ان هناك جمهورا يتابع الضجيج ! ترى لماذا يتصرف اطفالنا بهذه الشقاوة بينما نجد اطفال الاخرين الاجانب في منتهى الادب والهدوء في الاماكن العامة ؟ هل السبب يكمن في اسلوب تربية موحد في البيت وخارجه ؟ بمعنى توجيه الصغير بأسلوب تربوي دون انفعال او قسوة ومنذ صغره فلا تتذبذب مفاهيم الصغير او يحاول اختبار اهله كلما سنحت له الفرصة ؟ يبدو ان ثقافة تربية الاطفال يجب ان توجه للوالدين كما هي للمختصين التربويين. * * * ذهبت منذ فترة لاستلام نتيجة اشعة دورية ومعها اخرى تم اجراؤها من قبل للمقارنة . تسلمت الجديدة وضاعت الاخرى ولما سألت موظفة الاستقبال بحثت حولها قليلا ثم قالت " ليست هنا عليك ان تأتي صباحا وتتحدثي مع المدير " . بعد ذلك مررت على المكان فما كان من موظفة بديلة إلا ان نهضت , دخلت للمكان بحثت وأتت بها وهي تبتسم. شكرتها ووجدتني اقول لها بارك الله فيك فاتسعت الابتسامة . كانت تستحق الدعوة والثناء لاهتمامها وعملها الجميل . في طريق العودة وكان الشارع مليئاً ببرك مياه الامطار تجاوزتنا سيارة مسرعة وأصر سائقها إلا ان يطرطش المياه بقوة على سيارتنا المرتفعة ! تصوروا كمية المياه ودرجة دفعها كي تمطر بالمياه المتسخة !! قلنا حسبنا الله ونعم الوكيل . أين الذوق والآداب العامة؟ ثم ما الذي سببناه له من مضايقة حتى يكون تصرفه بهذه العدوانية؟! لابد انها عقول صغيرة وصدور ضيقة ..