اقترب شهر (3) وقد رسخ في وجدان وعقول النخب السعودية تاريخ 3/3 على اعتبار أنه موعد لا يخلف، وكلما اقترب الموعد زادت وتيرة الأحلام لمن يمنون أنفسهم تولي مناصب ممتازة أو وزارية، كما تشتد مع دنوه حدة الكوابيس لتقل مضاجع من يعتقدون أنهم سيغادرون فيه كراسيهم. ومن وجهة نظري فإن من يطلب المسؤولية هو في الغالب إما جاهل أو باحث عن مصالح شخصية، والاثنان لا يوليان المناصب ولو حرصا. ومع ذلك فقد طلب المسؤولية يوسف عليه السلام: (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ)، في حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنا والله لا نولي على هذا العمل أحداً سأله ولا أحداً حرص عليه"، وعندما طلب أبو ذر الغفاري من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستعمله على بعض الأمصار مع أمانة الرجل وإخلاصه كان الرد حاسما: "إنك ضعيف وإنها أمانة". ومع ذلك فقد ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد وجهاء اليمن عندما طلب الولاية على قومه ورأى فيه مقومات القائد من قوة الشخصية والأمانة والإخلاص. وإني لأعجب ممن حفيت أقدامهم يبحثون عن المسؤولية وهم بنعمة في بعدهم عنها، وقد يكون لبعضهم مبرره القوي حيث يرى أنه الأجدر بها والأقدر على تحمل تبعاتها، ويخشى من ضياعها لو وليت لغيره، ولكن كم نسبة هؤلاء في أيامنا هذه؟ أما الفارون منها ومن أعبائها فهم أكثر الناس قدرة على تحملها لأنهم يعلمون متطلبات أدائها على الوجه الأكمل ولذلك يشفقون على أنفسهم منها ويرون السلامة في البعد عنها. وفي يقيني أننا بحاجة إلى البحث عن هؤلاء الناس بكل الطرق الممكنة لأنهم إذا قبلوا فإنهم سيكونون على المستوى الذي ينفع البلاد والعباد ويحقق المصلحة العامة. مشكلتنا في الوصوليين الذين يتسلقون كل جدار رغبة في تحقيق أحلامهم في تسنم سدة المسؤولية، فتراهم يعطرون أفواههم بأرق العبارات ويوظفون كل وسائل الدعاية، ويعزفون على وتر الولاء والمواطنة عزفا منفردا بحيث تظن أنه ليس في هذا البلد أكثر ولاء من هؤلاء، فإذا حدث وسلم المنصب لأحدهم زمامه كان ولاؤه ليس للوطن والمصلحة العامة وإنما لمن ظن أنه جاء به إلى المنصب سواء أكان فردا أم تيارا أم مرجعية تاريخية أو جغرافية وضيّع منهم دون ذلك. مثل هذا المسؤول لا يهمه أن ينظر في حاجات الناس ولا أن يراعي حاجاتهم ولا أن ينكر ذاته ومصالحه من أجل الوطن؛ لأنه ببساطة يعرف أن الذي وضعه في المنصب ليس كل ذلك وإنما قدراته الشخصية في كسب ود هذا الوجيه أو ذلك وبذل نفسه في تحقيق مصالحهم، فتراه أمامهم أليفا متواضعا لا تفارق محياه البسمة، فإذا انقلب لرعاية شؤون من ولاه ولي الأمر شؤونهم وجدته عابسا متغطرسا ينظر لهم بدونية ويعدهم من الرعاع الذين لا يستحقون منه التفاتة ناهيك عن النظر في شؤونهم بإخلاص وتفان. يتفرغ ومستشاروه في تطويع الأنظمة واللوائح لخدمة المصالح الشخصية له ولغيره ممن يرى فيهم دعما يثبّت أركان كرسيه، بينما تكون تلك الأنظمة واللوائح سدا منيعا يستخدم للحيلولة دون الناس وحقوقهم بدعوى أن النظام لا يجيز ذلك. ليس من شك أن بلادنا تسير من حسن إلى أحسن في اختيار من يستحقون القيام على المصالح العامة، وهي للمخلصين مغرم وليس مغنما، ولكن ما وصل إليه الوطن ورجاله من مستوى ووعي علمي وثقافي يتطلب توظيف أدوات موضوعية لاختيار من يولون المسؤولية على جميع الأصعدة ودعمهم في ذلك. وكل أربع سنوات وأنتم بخير.