لا يكل أستاذنا الدكتور عبدالله الفيفي ولا يمل من الحديث عن خطر العامية وخطر الشعر الشعبي (أو العامي غير المسؤوم كما يُسميه تندراً!)، مدفوعاً إلى ذلك بدوافع عديدة أبرزها دافع الغيرة على اللغة العربية، كما يُعلن في (مساقاته) الكثيرة حول خطر العامية وشعرها، لكن الإشكالية الكبرى في طرح الدكتور الفيفي هي أن غيرته على العربية تجرفه في كثير من الأحيان لاتخاذ مواقف مُتطرفة من الشعر النبطي وقنواته ومجلاته ومسابقاته وشعرائه، وكل ما يمت له بصلة، وهذا التطرف يؤدي لوقوعه في فخ الانحياز والتناقض بين مضامين كتاباته الكثيرة التي يكتبها في ثورة غضبه وإحباطه من وضع العربية وأهلها وتلك القليلة جداً التي يكتبها في هدأته وسكونه وإنصافه للشعر النبطي. فالشعر النبطي يُمثل بالنسبة للدكتور الفيفي مدخلاً مناسباً للحديث عن كثير من علل مجتمعنا المحلي ومشكلات عالمنا العربي بأسره، فالاهتمام بالشعر النبطي في نظره عامل من عوامل ضعف اللغة العربية والمناهج الدراسية وسبب من أسباب أزمة البطالة وهدر الأموال، ويرى بأن كتابة الشخص المُتعلم للشعر النبطي تُعد (خيانة) للغة العربية وللثقافة الاجتماعية و(تقشفاً) في الطموح و(خيبة) إبداعية، والسبب في كل هذا كما يزعم هو أنه "لا جديد يُرجى في الشِّعر العاميّ يُضاف إلى الشِّعر العربي" وكذلك فإن "الشاعر لن يستطيع الإتيان بأي جديد في تجربته لأن لغته أضعف من أن يتوكأ عليها"، ويذهب الفيفي لأبعد من ذلك فيذكر بأن الشعراء الشعبيين قلما يخرجون عن أغراض يرى بأنها مستهجنة في الشعر الفصيح في زمننا هذا كالنقائض والهجاء والفخر والمدح، ويقول بأنهم "قد لا يُحسنون شعراً خارج أُطرها"، ويقول بلغة أكثر تحاملاً: " ثمّ عن أيّ جماليّات استثنائيّة نتحدّث عنها في الشِّعر العامّي؟ أم أيّ حِكَم كُبرى في الشِّعر العامّي؟ فلو جُمع كلّ الشِّعر النبطيّ والعامّي في العالم العربي، بقضّه وقضيضه، ما أضاف معنى فريدًا، ولا اقترح صورة نادرة، ولا ابتكر جديدًا يُذكر فيُكبر (...) فليتحدّث هؤلاء إذن عن الجانب التسلويّ من المسألة، وليَدَعُوْا مزاعم الإضافات الإبداعيّة الخارقة جانباً"..! هذا قليل من كثير يقوله الدكتور الفيفي في ثوراته المتواصلة على الشعر النبطي، ويمكننا القول انطلاقاً من حُكمه الأخير بأن الحقيقة التي لا نظنها تخفى على ناقد خبير مثله هي أن اللغة بالنسبة للشاعر مجرد أداة لا يُمكن أن تصنع منه شاعراً مبدعاً، فكم من شاعر مُتقن للغة العربية الفصحى ومُلم بقواعدها وحافظ لدواوين شعرائها ومع ذلك يعجز عن إنشاء بيت يُثير أدنى شعور إيجابي لدى المتلقي، فالقدرة على الإبداع الشعري منحة إلهية لا يُمكن أن تُمنح لشعراء الفصحى ويُحرم منها شعراء الشعبي بإرادة الفيفي أو غيره.. وللحديث بقية.