بدأت السعودية في أولى خطوات الاعتراف بوجود خلل في طرق مواجهة الأزمات التي تطرأ على أسعار المواد الغذائية حيث اختارت تفعيل دور الخزن الاستراتيجي الذي عانى من الإهمال سنوات طويلة رغم تعاقب الأزمات من شح للمواد الغذائية الذي أدى إلى ارتفاع أسعارها ما شكل ضغطا كبيرا على ميزانية الفرد والدولة على حد سواء. وسيتحول شرط وجود خزن من المواد الغذائية بنسبة لا تقل عن 25% من المواد إلى هم مشترك بين القطاع الحكومي والخاص لمواجهة الأزمات وتقلبات الأسعار العالمية التي جعلت السعودية تعاني خلال السنوات الماضية من الغلاء المستورد بسبب إهمالها للحلول وقراءة المستقبل، الذي بدأت ملامحه واضحة للجهات المعنية ومنها وزارة التجارة والصناعة ووزارة الزراعة التي بدأت تفكر في أهمية الاستثمار الزراعي الخارجي ومساندة التجار والمستثمرين في المجال الزراعي. وتسعى وزارة التجارة والصناعة ومعها الصوامع والغلال ووزارة الزراعة للتنسيق فيما بينها لتفعيل دور القطاع الحكومي بالتعاون مع القطاع الخاص لتعزيز مفهوم «الخزن الاستراتيجي للسلع الغذائية»، الذي بدوره سيخفف من أعباء الحكومة في مواجهة أسعار السلع التي تتعرض لتقلبات سعرية ضيقة الخناق على ميزانية المستهلك المحلي. وكشف مصدر مختص في الاقتصاد الزراعي أن السعودية مقبلة على تنظيم لعمليات الخزن الاستراتيجي للمحافظة على توفر السلع والمواد الغذائية الأساسية كخطوة استباقية للأعوام المقبلة، مشيرا إلى أن المملكة لن تنتظر العام 2015 وما بعده دون استعداد لما يطرأ على أسعار المواد الغذائية من تغيرات سعرية ستكون مؤثرة على الدول التي لم تحسب حسابا لذلك التوقيت. وأكد المصدر ل" الرياض" أن المملكة تعيش أزمة توفير الشعير على الرغم من أنها تحصل على نصف إنتاج العالم من الشعير الذي يتجاوز 120 مليون طن سنويا، منها 60 مليون طن المملكة، معتبرا ان الأرز لا يشكل عبئا كبيرا على السعودية مقارنة ببقية المواد الغذائية التي ارتفعت أسعارها حيث لا نستهلك سوى مليون طن سنويا ويذهب جزء كبير منه هدرا ولا يستفاد منه شيء. واعتبر أن دور المخزون الاستراتيجي معطل ما لم يكن هناك تعاون حكومي مع القطاع الخاص حيث أن سيتمكن الأخير من تحقيق هذا المفهوم على أرض الواقع اذا وجد دعما حكوميا، لافتا الى عدم وجود خيار أمام الحكومة سوى الاستعانة بالقطاع الخاص لإنشاء أماكن تخزين في مناطق الإنتاج في الدول المصدرة للسلع. عبدالله زينل وأشار إلى أننا نرتكب أخطاء كبيرة في عمليات شراء المحاصيل من التجار في البلدان المنتجة، حيث يرتفع السعر بسبب تخزين السلع وما يتخللها من أجور الشحن وغيرها من المصاريف، فيما لو تم شراء السلع وقت الحصاد مباشرة من المزارعين لوفرنا مبالغ كبيرة ساهمت في توفر سلع في الأسواق السعودية رخيصة الثمن. وتوقع المصدر أن تساهم البنوك حول العالم التي تعافت من الأزمة المالية العالمية في دعم المزارعين في الدول المنتجة وزيادة المصانع المنتجة للمواد الغذائية، مؤكدا أن أزمة الغذاء التي تبعت الأزمة العالمية هي نتيجة امتناع البنوك عن تقديم قروض للمزارعين متأثرة بالمخاوف من عمليات الإقراض التي صاحبت تلك الفترة. في المقابل تخوف من عمليات الانفجار السكاني وتقلص الطبقة شديدة الفقر في كثير من الدول وتقلبات صرف العملات مقابل الدولار التي ربما يقفز بالأسعار خلال السنوات المقبلة، إضافة إلى المخاوف من زيادة أسعار النفط حيث ستكون مؤثرة في الأسعار في بلد المنشأ المصدرة للمواد الغذائية. وطالب وزارة الزراعة السعودية بدعم المزارعين، مؤكدا أن أثر أزمة اسعار الطماطم النفسي على المواطنين أكثر كونها غير مرتبطة بعوامل خارجية يكون فيها التبرير مقبولا إلى حد ما. من جهة أخرى تنطلق اليوم في الرياض أعمال ورشة عمل «الخزن الاستراتيجي للسلع الغذائية»، التي ستشهد تجمع بين المسؤولين في القطاعين العام والخاص، بهدف وضع رؤية لبنية وآليات الخزن الاستراتيجي الغذائي والتصدي لمشكلة الغذاء وتحقيق الأمن الغذائي. وتعقد الورشة اعمالها في أجواء يسودها الترقب والحذر بسبب تذبذب أسعار السلع الغذائية عالميا، في وقت أكد فيه سعد الخريف، عضو مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية بالرياض رئيس لجنة الأمن الغذائي، إطلاق مبادرة عبر جهات حكومية وخاصة لتعزيز مفهوم الخزن الاستراتيجي للسلع الغذائية، عبر طرح مشروع إنشاء مخازن للسلع الغذائية الاستراتيجية، بحيث يتوفر الإمداد بشكل مستمر للمواطن إلى جانب المحافظة على أسعار السلع الغذائية الاستراتيجية في السوق المحلية. وتحظى ورشة العمل باهتمام حكومي واسع، حيث من المقرر أن تشهد حضور وزير التجارة السعودي عبدالله زينل، ووزير الزراعة الدكتور فهد بالغنيم، إلى جانب عدد من المسؤولين في القطاعين العام والخاص، وسط تأكيدات أن المجتمعين سيسلطون الضوء على أهمية الخزن الاستراتيجي الغذائي، ودوره في الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، وتكوين رؤية مشتركة حول بنية وآليات الخزن الاستراتيجي الغذائي. وتشارك في الورشة المؤسسة العامة لصوامع الغلال ومطاحن الدقيق، في حين ستتناول أوراق العمل محاور الخزن الاستراتيجي وأهميته الاقتصادية والاجتماعية، ودور القطاع الزراعي الخاص بتكوين البنية التحتية للخزن الاستراتيجي للسلع الغذائية، وتجارب الدول المتقدمة في مجال الخزن الاستراتيجي الغذائي، وجهودها في سد الفجوة وتأمين الغذاء في حالة الأزمات والاستثمارات السعودية الخارجية وأهميتها في الخزن الاستراتيجي. ويهدف مشروع الخزن الاستراتيجي للسلع الغذائية المطروح إلى توفير إمدادات كافية من السلع الغذائية الاستراتيجية، بحيث تتوفر هذه السلع في مخازن خاصة، حتى مع انقطاع دخول هذه السلع للبلاد لسبب أو لآخر، مع بقاء سعر السلعة مستقرا، لمدة لا يقل متوسطها عن 6 أشهر كحد أدنى منذ انقطاع دخول السلع للبلاد. ويندرج تحت مفهوم السلع الغذائية الاستراتيجية الأرز والسكر والمنتجات الحيوانية والقمح، إلى جانب الزيوت النباتية والأعلاف وفول الصويا. واتفقت الجهات على أهمية تطبيق هذا المفهوم لما له من بعد أمني، حيث يشكل الأمن الغذائي جانبا مهما في منظومة الأمن، في الوقت الذي يشهد فيه العالم تغيرات مختلفة، من النواحي المناخية والاقتصادية، بما يؤثر على الإنتاج العالمي للمواد الغذائية الاستراتيجية. يشار إلى أن الحكومة تبنت في وقت سابق عددا من القرارات والإجراءات بهدف التصدي لمشكلة الغذاء وتحقيق الأمن الغذائي، كما تم الإعلان عن تأسيس شركة للاستثمار الزراعي الخارجي لتأمين احتياجات المملكة من خلال ذلك الاستثمار تشرف عليها لجنة مكونة من وزارات المالية والزراعة والتجارة.