تنتظر الأوساط الاقتصادية والعقارية نتائج معرض ومؤتمر «سيتي سكيب جدة»، الذي انطلقت أعماله أمس، خصوصا بعدما أعطت نسخته للعام الماضي دفعة مهمة في طريق تنشيط القطاع العقاري؛ إذ كشفت الأرقام عن تجاوز صفقاته 12 مليار ريال، كما وصل عدد الزوار على مدى أيام المعرض الثلاثة إلى ما يفوق 8 آلاف زائر، إضافة إلى مشاركة أكثر من 100 شركة عقارية وهندسية وإعلامية واستشارية في مجال العقار والتطوير العقاري؛ آملا في تدشين مشاريع تسهم في حل مشكلة الإسكان خاصة في ظل الحاجة الكبيرة التي يشهدها المجتمع إلى السكن. إن مشكلة العجز الواضح في المعروض من السكن سواء للتملك أو للإيجار تزداد وتحتاج إلى المبادرات التي تتخذ لحل هذه المشكلة خاصة وأن الجهود المبذولة حتى الآن ليست على مستوى الواقع وما به من حقائق تبين الفجوة الكبيرة بين العرض والطلب، ولابد من معالجة هذه المشكلة بمبادرة شجاعة وخطوات عملية تتكاتف فيها كافة الجهود لدعم كافة الجهات والهيئات العاملة في هذا المجال وإعطاء القطاع الخاص فرصة حقيقية ليقوم بدوره في حل مشكلة السكن. لقد شهدت المملكة خلال العقدين الماضيين تحولات اقتصادية واجتماعية واضحة ترتب عليها العديد من التغيرات التي شهدها المجتمع وتغير أنماط عديدة في حياتنا؛ فمع الزيادة السكانية الكبيرة والمتتالية عبر السنوات الماضية تولدت مجموعة من المفاهيم الجديدة لدى المجتمع، فبعد أن كانت الأسرة الكبيرة تعيش في منزل واحد أصبح الجيل التالي في هذه الأسرة يسعى بصورة كبيرة إلى الاستقلال عن الأسرة الكبيرة، وهذه الظاهرة أصبحت تتسع وتزداد مع زيادة شريحة الشباب الذي يريد الاستقلال عن الأسرة الأم مما ولد طلباً واضحاً على السكن بشرائحه وأنواعه المختلفة ومع ندرة المعروض من السكن، خاصة الذي يلبي حاجة الشباب إلى نوع معين من السكن يتلاءم مع ظروفه وإمكانياته تولدت مخاوف من عدم القدرة على توفير هذا السكن طبقاً للمواصفات التي يحتاجها الشاب .. فهل أصبح السكن الهاجس الأول في المجتمع؟. إن الراصد لما شهدته المملكة العربية السعودية من تطور اقتصادي ونهضة حضارية خلال العقدين الماضيين، يجد أن هناك تطورا واضحا في الخدمات في كافة المجالات، حيث أولت الدولة اهتمامها بإنشاء العديد من شبكات الطرق والنقل إلى جانب مجموعة كبيرة من الجسور والأنفاق والمرافق، وقد صاحب هذا التطور ارتفاع ملحوظ في مستوى المعيشة، كما صاحبه أيضاً تزايد ملحوظ في معدلات النمو السكاني، حيث بلغت الزيادة السنوية للسكان في المملكة 3.6 في المائة، صاحبها تطور عمراني بصورة ملفتة للانتباه في المدن الكبرى، وعلى الرغم من النشاط والتوسع اللذين شهدتهما سوق الأسهم السعودية خلال العامين الأخيرين، يبقى سوق العقار في المملكة أحد أهم القطاعات التي تتوجه نحوها الاستثمارات، في ظل ظروف مالية واقتصادية مواتية. وعلى الرغم من ذلك لم تستطع المشاريع العقارية أن تسد الفجوة الكبيرة التي تشهدها السوق العقارية التي تحتاج إلى وحدات سكنية وتجارية وإدارية كبيرة في كافة المدن الرئيسة في المملكة في وقت تواجه سوق الإيجار في المملكة تزايدا في طلب الحصول على الوحدات السكنية والإدارية والتجارية مقارنة بحجم المعروض حاليا مما يبين الفجوة الكبيرة في السوق والتي تفتح آفاقاً كبيرة أمام الاستثمار في هذا المجال ومع ذلك ما زالت المشاريع العقارية تسير ببطء شديد وغير مواكبة وغير ملبية للطلب المتزايد على الوحدات العقارية. إن سوق الإيجار في المملكة تواجه تزايداً في طلب الحصول على الوحدات السكنية مقارنة بحجم المعروض حالياً نتيجة لهذا العجز بين حجم العرض في السوق والطلب المتزايد من المستأجرين يبقى المواطن أكثر معاناة في تحمل ارتفاع الإيجارات على مدى عقود دون أن يملك منزلا الذي هو غاية أمانيه، وفي الوقت نفسه يشير بعض العقاريين إلى أن سوق الإيجار ستشهد ارتفاعا ما بين 25 30 في المائة بسبب تجاوز السوق حالة الركود من الأزمة المالية خلال عامي 2009 2010 إلى جانب صدور نظام الرهن العقاري وتنامي الطلب على الإيجار نتيجة النمو السكاني خلال العامين المقبلين، كذلك تزايد التكلفة المالية للإنشاء. وتشير الإحصائيات الرسمية لهذا العام أن نسبة المساكن المملوكة من المواطنين نحو 62 في المائة، مؤكدة على أنها نسبة تقل عن المعدلات المماثلة في العديد من دول العالم، ويعود هذا الوضع أساسا إلى محدودية توافر التمويل السكني الطويل الأمد من جهة، وكون أسعار الأراضي والمساكن تقع خارج نطاق قدرة التمويل الذاتي لذوي الدخل المتوسط والمنخفض من جهة أخرى، مما يتطلب أهمية توفير تمويل طويل الأجل كاف من مصادر القطاعين العام والخاص، والتعجيل ببدء الهيئة العامة للإسكان مشروعاتها السكنية في جميع مناطق المملكة وتذليل حصولها على احتياجاتها من الأراضي لبناء مشروعاتها وتيسير إجراءات تنفيذ تلك المشروعات. إن حجم الطلب السنوي يعتمد على أربعة عوامل وهي النمو السكاني، متوسط حجم الأسرة، حجم الدخل السنوي وتوفر خدمات التمويل. وبالإضافة إلى عدد من العوامل الثانوية مثل هيكل الملكية، حجم سوق التأجير للسعوديين والوافدين. ووفقاً للتعداد السكاني عام 1992 2004م أن إجمالي السكان 16,948 مليون نسمة و22,673 مليون نسمة على التوالي، ونتيجة النمو السريع للسكان في نفس الفترة زادت المساكن المشغولة من 2,79 مليون وحدة سكنية إلى 3,99 مليون وحدة سكنية، من هذه المقارنة نجد أن هناك فجوة كبيرة بين معدل النمو السكاني ومعدل نمو عدد المساكن المشغولة وبافتراض وصول سكان المملكة إلى 33,44 مليون نسمة عام 2020م، وتقليص حجم الأسرة إلى 5,3 فرد، فيمكن تقدير المساكن المطلوبة للوفاء باحتياجات السكان عام 2020م نحو 6,31 مليون وحدة، حيث إن عدد الوحدات المتوافرة في عام 2004م يبلغ 3,99 مليون وحدة، وهذا يعني الحاجة ل 2,32 مليون وحدة إسكان إضافية. وتتراوح الزيادة في عدد المساكن المطلوبة لتلبية احتياجات السكان في المملكة ما بين 100179 وحدة سنوياً خلال الأعوام 1992م وحتى 2004م و 164.959 وحدة سكنية خلال الأعوام من 2005م وحتى 2020م. ومن المتوقع أن يحتاج قطاع تشييد المساكن في المملكة إلى نحو تريليون ريال لتمويل بناء 2,32 مليون وحدة سكنية جديدة خلال الفترة من 2005م وحتى 2020م وبمتوسط سنوي يبلغ 45 مليار ريال لتمويل بناء 145000 وحدة سكنية جديدة في السنة، ولتحسين التوازن بين العرض والطلب في سوق المساكن، ينبغي توفير 21,750 وحدة سكنية إضافية كل سنة خلال هذه الفترة، ومن هنا سوف يزيد حجم الاستثمار السنوي المتوقع بمقدار 9,6 بليون ريال، مما يعني ارتفاع حجم الاستثمار المتوقع إلى 73,6 مليار ريال سنوياً. لذا فإن من المهم تشجيع ودعم منشآت القطاع الخاص للعمل على المساهمة في حل مشكلة السكن من خلال مشاريع عقارية كبيرة تلبي حاجة كافة الشرائح في المجتمع، وهذا يتطلب تسهيل الإجراءات والعقبات أمام الشركات العقارية لكي تلعب دورها المنتظر في حل مشكلة الإسكان. * مدير دار الخليج للبحوث والاستشارات الاقتصادية. [email protected]