هذه الأسئلة التي تحمل عنوان " السرد ..على الناصية الأخرى " قد تكون تحمل طابع الخفة ، لكن إجاباتها تمنح لذة استكشاف تفاصيل ذاكرة كتاب السرد التي تضيء نافذة للقارئ لكي يستدل على الروائيين والروائيات الذي كان لهم تأثير في تاريخ الرواية . وكذلك يتعرف على مفضلات المبدعين من روايات وعبارات وشخصيات روائية . -من هم الروائيون العظماء الذين كان لهم، في اعتقادك، تأثير ملموس في تاريخ الرواية؟ =كل روائيي الحقبة الكلاسيكية الكبار من أمثال ديستويفسكي، تولستوي، هيرمان مليلفل، وغيرهم من الحقبة نفسها، ثم من جاء بعدهم من روائيين كبار أيضاً، إرنست هيمينقواي، وليم فوكنر، فلاديمير نابوكوف، يوكيو ميشميا، ياسوناري كاواباتا، وصولاً إلى ماركيز وجيله من الروائيين شرقاً وغرباً، كل هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر، وأمثالهم من ذوي المواهب الخارقة في فن الرواية، أثروا في شكل كبير في تاريخ الرواية وأسهموا في جعلها فناً عظيماً ينتشر في كل أنحاء العالم ويقرأ ويدرس ويكتب عنه الكثير من النقد. - ما هي الرواية التي غيّرت مفاهميك ورؤيتك للحياة؟ = في الحقيقة، رواية باولو كويلو (الخيميائي) كانت لي عندما قرأتها بمثابة الكتاب الذي وضع أمامي كم هو مهم أن يلتفت الإنسان إلى داخله بحثاً عن أسطورة ذاته الخاصة، تقول الرواية إن كل إنسان تكمن فيه خريطة حياته في شكل علامات ورموز يراها على الأرض، وإذا ما وجدها وتمكن من التقاطها وفهمها فإن من الصعب ألا يتغير بعدها. - ما هو المشهد الروائي الذي قرأته وتمنيت لو أنك من كتب هذا المشهد؟ = أكثر من مشهد، في الحقيقة، لكنني لم أتمن لو أنني كتبته، بل أتمنى لو أكتب مثل صدقه الفني وقوة تأثيره لو يتسنى لي ذلك في كتابة مقاربة لموضوعه، مثلاً، ماريو بينديتي في (الهدنة) كان متجلياً في كثير من المشاهد التي تصور مأزق سن التقاعد وما بعدها، يوكيو ميشيما في (اعترافات قناع)، وخصوصاً عندما يتحدث عن (من يمتلكون الجسد الحيواني الخالص، الذي لم يفسده الذهن)كأجساد الشبان الأقوياء، البحارة، الجنود، الصيادين، غير أن ميشيما ينطلق من فلسفة الجسد النقي وغواياته في قوة شبابه وفتوته، في حين أنظر إليه أنا الآن، من زاوية بعيدة، من فرجة الكهولة والكسل والخمول اليومي، التي كانت في زمن الشباب من الموبقات الزمنية التي يتمنى كثيرون إلا يصلوا إليها. شيء من الحسد تقريبا. - ما هي الرواية التي قرأتها أكثر من مرة ؟ = رواية (غرام سوان) لمارسيل بروست، هذه الرواية لا أدعها تبتعد عني كثيرا. - من هي الشخصية الروائية التي ما زالت تستحوذ على تفكيرك ؟ = شخصية هيربرت هيربرت في رواية (لوليتا) لفلادمير نابوكوف، هذه الشخصية العجيبة التي بكثير من المكر وادعاء الطيبة (التظاهر بالأبوة) تمكنت من ابتداع طريقة غير مسبوقة في ارتكاب الفجور في حق قاصر، وهذا بالتأكيد يوضح أن الحدود بين العفة والفسق لا تبدو في بعض الأحيان حكراً على فئة معينة من الناس، وليس من الضروري أن نحكم على شخص ما بالطيبة من خلال مظهره الذي لم يدخل في تجربة الحقيقة، ولا من خلال أقواله مهما كانت عظيمة في استقامتها من الخارج. - ماهي العبارة التي دونتها من رواية لأنها أثرت فيك أو شعرت أنها يمكن أن تمثل لك فلسفة في الحياة ؟ = عبارة لفتت نظري في رواية (عائلة باسكوال دوارت) للروائي الإسباني كاميلو خوسيه ثيلا، ونصها كما يلي( من يؤمر أن يسير في طريق الأزهار، ومن يؤمر أن يجر في طريقه الشوك والصبار. أولئك يتمتعون بنظرة رزينة ويبتسمون على عبق سعادتهم بوجه بريء، وهؤلاء الآخرون يعانون قسوة الشمس في السهول ويقطبون جباههم كالوحوش الضارية ليحموا أنفسهم. هناك فرق بين أن يزين المرء جلده باللون الوردي والعطر، وبين أن يزينه بالوشم الذي لن يستطيع أحد محوه).. - من هو الروائي الذي استحوذ عليك بأعماله في بداياتك، ثم شعرت لاحقاً بأنه لم يعد يستهويك؟ = لم يحصل هذا الاستحواذ، ذلك أنني لا أركض خلف كاتب معين لكي أنهي كل أعماله المتاحة، كما أنه كان من الصعب تتبع كل أعمال هذا الكاتب أو ذاك من دون سفر خارج الحدود ومن دون بحث قد يستغرق فترة السفر كلها، أما الآن فإنني أنتقي بحرص ما أعتقد أنه يضيف. - من هي الشخصية الروائية التي تشعر انها يمكن أن تمثل رمزاً حياتياً ؟ = لا أعرف ما إذا كنت تقصد الشخصية الروائية التي نبعت من كتاباتي أنا، أم من كتابات آخرين، لكن يبدو من السياق أنك تقصد الكتابات الأخرى، جان فالجان في رواية (البؤساء) لفيكتور هوغو، هذه الشخصية توجد في كل عصر، وفي كل تجمع بشري، قد تخفت إلى درجة عدم تبين أفعالها الإنسانية في مكان ما، وقد تعلو في مكان آخر حد اتخاذها مثالاً يحتذى، أعتقد أن منظمات حقوق الإنسان، ولو بدافع التطهر الرمزي، هي جان فالجان بشكل أو بآخر، لكنها في الدول التي لا تحترم الإنسان بأية صورة تصبح عاجزة ولا تستطيع أن تنقذ نفسها من التهم والمطاردة، أما في الدول التي تعطي الإنسان كافة حقوقه المشروعة فإنها تخرج إلى العلن وتكافح الحيف والظلم أنى وجد. - ماهي الرواية التي عرفتك على مدينة وأحببت تلك المدينة؟ = روايات عديدة وليست رواية واحدة، والمدينة هي طوكيو، ورغبتي في رؤيتها تنبع من كونها تعد الآن يابان مختصرة تشكل مدينة صناعية أسهمت منتجاتها التقنية في رفاهية البشرية ، كما أسهمت الروايات التي كتبت عنها في تقديم فن روائي عظيم للعالم، سواءً قبل الحرب العالمية الثانية أو بعدها، فالرواية والتقنية تسيران جنباً إلى جنب في اليابان المختصرة/طوكيو. المدينة/البلدة التي يتآلف فيها الفن والمنشأة الصناعية بالأهمية نفسها التي يتمثل فيها الياباني العقل والروح في حقبة ما بعد الحرب. - ما هي الرواية التي ترغب في أن تشاهدها سينمائياً؟ = إذا كان ثمة مجال للرغبة الحرة، من دون سوء فهم، أعتقد أن روايتي (قنص) تستحق. - ماهو أجمل نموذج للحب قرأته في رواية ما؟ = من نباهتك أنك قلت (أجمل نموذج للحب) ولم تطرح الحب على إطلاقه، فالحب في الأدب، والسرد المتخيل على نحو خاص، يرتبط تصوره بفهم الكاتب للواعج الحب الذي تعيشه الشخصية في الرواية، فالكاتب يخضع تفسيره هذا لخبرته وتجربته في فهم الشخصية نفسها، وعلى هذا الأساس فإنه يمكن القول إن الحب يخضع لرأي المؤلف وانطباعه الشخصي عن الحب في ظروف روائية متخيلة. على أي حال، أنا أميل إلى أنموذج الحب الكلاسيكي الريفي، النائي عن تعقيدات المدنية، وتناقضات المواقف، وهذا ما لم أجده في رواية، حسب اطلاعي. - من هو الروائي الذي تمنيت أو تتمنى أن يجمعك به لقاء؟ = عربياً، إبراهيم نصر الله، عالمياً، إيزابيل الليندي، على أن يكون المكان صحراء الربع الخالي، مع مجموعة من الكتاب العالميين والعرب بدعوة من هيئة حكومية تسمح بسياحة من هذا النوع.