شرقنا الأوسط له خصوصيات سلبيات تختلف عن أي موقع جغرافي في العالم.. مثلاً من الصعب أن تطالب قبائل زنجية في أفريقيا أن تملك منطلقات تطويرية بزمن وجيز؛ لأن رصيدها التاريخي محدود، وفي الوقت نفسه انتشلت ذاتها في آسيا الوسطى وشرقها من قيود تخلف شعوب كانت متدنية الحضور ومثلها أيضاً شعوب في أمريكا الجنوبية.. وأوروبا قاطعت الحروب الدينية منذ أزمنة بعيدة وخرجت من خلافات الدول المتجاورة منذ ما لا يقل عن مئة عام، بل كونت توافقاً أوروبياً شمل معظم دول القارة.. في شرقنا الأوسط تدعي شعوب أنها تملك سجلاً تاريخياً يختلف عن الآخرين وأنها كادت أن تحكم العالم بكامله، حتى نزاع الثقافتين الفارسية والعربية يعزى إلى خلاف سيادات متجاورة.. إن من يتأمل طبيعة أوضاع شعوب المنطقة يجد أنها موقع رئيسي لصراع تشددات انغلاق بين الشيعة بزعامة إيران والسنة أينما وجد انغلاقهم في أي مجتمع عربي ولم يحرم المسيحيون من بطش الخلافات الدينية حيث خسرت الاسكندرية عشرين قتيلاً في كنيسة كانت ترعى الاحتفال بالسنة الميلادية الجديدة وهو تعامل سيء مع مواطنين مسيحيين لا مبرر له.. بل هو جريمة تحت ظل أي تعريف.. هذه المقدمة لا لزوم لها إذا أخذنا في الاعتبار كيف تكون المقارنة بين انشغال النضال في دعم تدخلات مذهبية في مجتمعات أخرى وفي الوقت نفسه إعاقة مجتمع مدعوم بإمكانيات طبيعية تجعله لو تم الاتجاه إليه في مقدمة الدول الاقتصادية.. في العالم العربي تأخذ تجمعات التسييس أو الانغلاق أو الإرهاب تسميات دينية هي لحاف مقرف يختبئ بعيداً عن أي جديد حضاري ويمارس عداوة معلنة لكل وعي قادر على الاستفادة من الثروات، حيث يلزم الجميع بالتراجع إلى «سلفية» يختار منها ما يعطل قضية الجامعات وحرية عمل المرأة وزمالة الاقتصاديات الدولية.. حكومتنا في المملكة فرضت التقدم الحضاري بوجود مقاومة تخلف وهناك حكومات فشلت في ذلك وفي الوقت نفسه لم يتوفر الإبعاد الكافي للانغلاق عن مسارات التطور.. هذه الانقسامات تكشف حقائق نوعيات الوعي وكذا العقل.. لماذا تجاوزت شعوب محدودة الثروات تخلفها فيما يكون التخلف في عالمنا العربي حضور تعطيل لأي نمو فاعل؟