عندما قررت الدولة قبل أكثر من ثلاثة عقود منح الفرصة للقطاع الخاص للمساهمة في برامج التنمية، كان الهدف تسريع عجلة التنمية والتطور واختصار الزمن والاستثمار في الوطن وأبنائه، وقد سهلت العديد من الإجراءات ومنحت القروض والأراضي والتراخيص الصناعية والزراعية مع منح قروض معفاة من الفوائد وإعانات تبعها خصخصة العديد من القطاعات الحكومية بهدف إكمال مشوار التنمية. أصبح القطاع الخاص ينتظر إعلان ميزانية الدولة بنهم ويخطط ويفكر بأسرع وأسهل الطرق لاقتطاع أكبر حصة ممكنة من هذه الميزانية وبأقل التكاليف والعائد على المواطن من هذه القطاعات صفر. اليوم وبعد أكثر من ثلاثين عاما تضخمت أرصدة هذه القطاعات وتضاعفت رؤوس أموالها وأرباحها وجمعت المليارات وتاجرت في الأسهم والعقارات والمجمعات التجارية داخليا وخارجيا. كم من مسكن قدمه القطاع الخاص على اختلاف أطيافه من الشركات الفردية أو العائلية أو المساهمة واستفاد منه مواطن مجانا أو حتى بسعر التكلفة؟ كم من مواطن استفاد من ميزانيات وأرباح الشركات والبنوك سنويا؟ باختصار هي تأخذ ولا تعطي! وأستثني من ذلك بعض المبادرات الفردية الخيرية التي تتم على استحياء وبعضها للاستهلاك الإعلامي وغير صالحة للاستهلاك الآدمي. شركات المقاولات الكبرى التي تعد على الأصابع وحازت على مشاريع بالمليارات من الدولة طوال العقود الماضية لم نسمع أنها أنشأت مشروعا سكنيا خيريا في إحدى مدن أو محافظات المملكة ووزعته على الفقراء والأرامل والمطلقات أو بنت دارا للمسنين بل تجدها أقل الشركات في نسبة السعودة وتأخذ العقود وتشغل مقاولين بالباطن جلهم من الأجانب وبتنفيذ أقل ما يقال عنه سيئ. غالبية الشركات العقارية والصناعية والتجارية الفردية والمساهمة قديمها وحديثها تفرغت للمتاجرة والمضاربة واحتكار الأراضي وتضخيم أسعارها حتى بات المواطن لا يستطيع أن يتملك قطعة أرض ويعمرها. القطاع الخاص يعول عليه في تطوير 77% من المساكن التي تقدر بمليون وحدة سكنية خلال الخطة الخمسية الحالية أي أكثر من 700 ألف وحدة سكنية. واقع الحال يقول إن جميع الشركات العقارية المطورة لن تتمكن من تطوير 20 ألف وحدة سنويا فالمشاريع تسير ببطء وتتعثر والتمويل مفقود والسيولة مجمدة في الأراضي والتراخيص تتأخر وتمر بسلسلة طويلة من الإجراءات البيروقراطية. مع إعلان الدولة للميزانية يستمر تهافت القطاع الخاص على العقود وتبقى معضلة الإسكان هي ما يؤرق الدولة والمواطن، لذا وجب الوقوف مع هذه القطاعات بحزم والتشديد عليها وإلزامها بتقديم تنازلات ولو بجزء بسيط من أرباحها لصالح المواطن من خلال اقتطاع نسب تضخ في صندوق يدعم مشاريع الإسكان بالذات. وقد تكون المبادرة بمنح بعض المشاريع الحكومية لشركات صينية أو كورية أو أوربية مقابل التزامها بتطوير مشاريع سكنية تمنح للمواطنين وتتفاوت أعدادها حسب قيمة العقد، لعل قطاعنا الخاص يصحو من سباته العميق ويهتم بالوطن والمواطن.