قد يرى البعض بأنه ليس هناك اختلاف في سبب غلاء المعيشة التي تعاني منه شعوب العالم سواء كان بسبب ارتفاع أسعار السلع والخدمات أو انه نتيجة لتعديل مستوى الاقتصاد العالمي، لكون السبب الذي نراه هو الارتفاع الحاد للأسعار في حين أن ارتفاع الأسعار قد يكون نتيجة لارتفاع مستوى الاقتصاد! فالاختلاف كبير وتجاهل المتغيرات الجديدة بالاقتصاد العالمي كان سببا رئيسا في فشل جهود الحكومات في مواجهة مشكلة الغلاء وانتشار الفقر! فالمسؤولون والمحللون بجميع الدول يتحدثون عن الغلاء بأنه تضخم بالأسعار، مرتبط بظروف عالمية ومؤقت ويتطلب الصبر، في حين أن ذلك قد يكون خدعة كبرى للعيش بآمال وتوقعات بقرب انخفاض الأسعار! فنسب التضخم غير دقيقة في أوزانها كما ان نسبة الارتفاع مقارنة فقط بالعام السابق بينما الأسعار كانت ترتفع منذ (5) سنوات! فالملاحظ تجاهل أن ما تمر به اقتصادات العالم هي فترة انتقالية لمستوى اقتصادي أعلى وان الأسعار التي توصف حاليا بأنها مرتفعة ستصبح بالوضع الجديد أسعارا عادلة! لأن الاعتراف بذلك يحتم على جميع الدول اتخاذ سياسات جديدة لتتناسب دخول مواطنيها مع تكلفة المعيشة أو بتحمل الدول لجزء كبير منها وهو مالا يرغب فيه مسؤولو القطاع العام والخاص خاصة مع أزمة الديون، ولكون شعوب اقتصاد الستينيات (سعر النفط 3 دولارات) لن تستطيع بدخولها المالية أن تعيش باقتصاد نفط فوق ال (30) دولاراً، تم رفع دخولها لتتناسب مع الأسعار حينها! إذا الصورة مشابهة لما كنا عليه قبل (38) عاما. فمؤشرات ارتفاع الاقتصاد كانت واضحة قبل أكثر من أربع سنوات (هل زيادة أسعار النفط والذهب سترفع مستوى الاقتصاد العالمي؟ 26/8/2006م) عندما كان النفط (50) دولاراً والذهب (700) دولار كمستوى اقتصادي جديد يتسبب تجاهله في تآكل الطبقة الوسطى وتأكد ذلك بارتفاع أسعارهما للضعف وتأسيس دعم لمستوى اقتصادي صمد أمام الأزمة العالمية التي كانت اختبارا خسر الاقتصاديين رهانهم فيها بإيجابيتها في انخفاض الأسعار! فهل نتوقع أن ينخفض مستوى الاقتصاد إلى ما كان عليه حتى لو انخفض سعر النفط إلى (30) دولاراً؟ فانخفاض العملة يرفع أيضا الأسعار ويدعم الاقتصاد الجديد! فمشكلة غلاء المعيشة العالمي أمر طبيعي في ظل ارتفاع عدد سكان العالم ومحدودية الغذاء وارتفاع الطلب على السلع وضعف العملات والدخل، ولكون المملكة جزء من هذا العالم تأثرت الدولة (والبنوك والشركات) ايجابيا من تعديل الاقتصاد بارتفاع أرقام الإيرادات، إلا أن الأثر السلبي كان كبيرا بارتفاع تكلفة المشاريع ومعيشة المواطنين، فاقتنعنا بأسباب ارتفاع تكلفة المشاريع التي أصبحت معظمها بالمليارات وتجاهلنا أسباب ارتفاع أسعار السلع والخدمات والطرق الفاعلة لتقديم الدعم المباشر للشريحة المتضررة! فلم نقتنع بمستوى الاقتصاد الجديد لكونه سيقتطع أموالاً كبيرة من الدولة وشركات القطاع الخاص التي اكتفت برفع رواتب ومكافآت كبار الموظفين فقط والأجانب والخادمات.. للتكيف مع الواقع، مما تسبب في ارتفاع البطالة لعدم تناسب باقي الرواتب مع تكلفة المعيشة الجديدة! وما يجب التنويه عنه أننا ككتاب ومحللين قد نساهم أحيانا بإيصال رؤية غير حقيقية عن أوضاع مجتمعاتنا والتقليل من حجم غلاء المعيشة الذي تحاول الدولة تخفيضه! بل انه عندما تمت مناقشة بدل غلاء المعيشة إعلاميا استطلعنا آراء أجانب ومحللين ومديري صناديق– أي مع من رواتبهم عالية وليست لهم علاقة بالبدل - ليؤكد البعض بأن البدل منحة ملكية محددة بإطار ويمثل عبئاً على ميزانية الدولة!! ولكن القيادة لم تلتفت لتلك الآراء لقناعتها بأن الأسعار مازالت مرتفعة، ولان إيرادات الدولة قفزت من (140) مليار ريال إلى أكثر من (900) مليار وانخفضت نسبة الرواتب بالميزانية، وان ضخ المشاريع تسبب في تضخم الأسعار على المواطنين ومنها ارتفاع الإيجارات، فان الأمل في تخصيص اكبر من الإيرادات في تخفيض تكلفة المعيشة على جميع المواطنين بالقطاعين العام والخاص مادامت أسعار النفط مرتفعة! ولكن يبقى التساؤل متى نقتنع بأننا نعيش في ظل اقتصاد جديد كلياً - وليس ارتفاعاً مؤقتاً للأسعار- يتطلب منا التكيف معه لتتناسب دخول مواطنينا مع تكلفة معيشتنا ولا تتضرر مجتمعاتنا من هذه الطفرة؟