عندما أعلنت مصلحة الإحصاءات العامة ارتفاع مؤشر تكلفة المعيشة لشهر مايو2009م، توقعت أن يسارع الاقتصاديون إلى إبراز ذلك كمعلومة حقيقية صادرة من جهة حكومية مختصة تؤكد استمرار ارتفاع تكلفة المعيشة على الرغم من مرور (9) أشهر على الأزمة العالمية التي وعدنا المسئولين بأنها ستؤدي إلى انخفاض أسعار السلع، فذلك الارتفاع خالف فعليا توقعات مؤسسة النقد باستمرار انخفاض التضخم، وكان يجب حث الجهات المختصة لمعالجة الخلل الذي تسبب في حرماننا من الاستفادة من انخفاض الأسعار العالمية لمعظم السلع. ومع تقديري للآراء الاقتصادية التي رحبت بذلك الارتفاع ووصفته بالعودة "الحميدة" للتضخم مبررة ذلك بتجاوز الاقتصاد السعودي للانكماش العالمي وانه ليس هناك نمو بلا ضغوط تضخمية، فإن تلك الآراء استندت على نظريات اقتصادية حولت مساوئ التضخم الى محاسن، فكمحللين اقتصاديين او ماليين يجب أن تتوفر لدينا المبررات المقنعة التي تدعم آراءنا حتى وان خالفت توقعات وتوجهات المسئولين، فتلك الآراء تعطي انطباعاً غير حقيقي للوضع الاقتصادي وبما يؤثر سلبا على القرارات التي تتعلق بتكلفة المعيشة. فوصف ارتفاع التضخم ( بأنه دليل على أن الاقتصاد السعودي عاود النمو بفعل استمرار الحكومة في الإنفاق وان ذلك مؤشراً على نمو الطلب والتأكيد بان الدول التي تسجل تضخما خلال الأزمة الحالية وفي ظل الانكماش العالمي هي في وضع جيد) يمثل رأيا غير دقيق في معظم حالات التضخم وغير صحيح تماما فيما يتعلق بالمملكة بشكل خاص خلال هذه الأزمة، فالمملكة لم تعان من انكماش اقتصادي أدى الى إغلاق المصانع وإفلاسها كما حدث في بعض الدول، لكون مشاكلنا تتعلق بمغامرات الاقتراض لبعض رجال الأعمال وليس باقتصاد الدولة الذي يتمتع حاليا بارتفاع السيولة، كما أن مستويات النمو للاقتصاد يجب أن تكون معتدلة وان يتم الرفع لمستواه بشكل متدرج ولمستوى محدد، فالإنفاق الحكومي كان كبيرا قبل سنوات واستمر لإنعاش الاقتصاد العالمي وليس المحلي، بل إن رفع الإنفاق خلال الأزمة اوجد تخمة في المشاريع للمقاولين عجزت بنوكنا في تمويلها ليتم اللجوء للبنوك الأجنبية، وبالتالي فإن مايهمنا خلال هذه الأزمة بالدرجة الأولى هو ضمان سلامة البنوك واستمرار التمويل أكثر من رفع معدلات النمو عن المستويات المقبولة، إن تلك الآراء التي تشيد بارتفاع التضخم قد تنطبق على دول أخرى مثل أمريكا وبريطانيا خلال الفترة الحالية ، ولكن إذا دققنا أكثر في أسباب ارتفاع تكلفة المعيشة والتضخم لدينا لوجدنا التقرير يشير إلى أن معظم الارتفاع كان في المجالات المتعلقة بالترميم والإيجار والوقود والمياه، أي أنها ليست في مجالات لها علاقة بنمو اقتصادي نسعى لإحداثه! فمعظم الموطنين يعانون من ارتفاع الإيجارات ولم يتم العمل على اتخاذ خطوات عملية لحل المشكلة سوى نشر آراء وتوصيات تنتهي بالتعاطف الإعلامي مع شريحة كبيرة من المجتمع. وأخيرا عندما يتجاهل البعض أن التضخم قد يكون مستوردا بسبب ضعف الدولار وتتم الإشادة بالتضخم الذي تسبب فيه فقط ارتفاع الإيجارات وأسعار المياه والوقود (حسب التقرير) كدليل على استمرار النمو الاقتصادي، نتذكر مطالبات بعض المحللين قبل أسابيع برفع أسعار المياه والبنزين لترشيد الاستهلاك، فبالتأكيد لن يتحقق الترشيد ولكن سنرفع معدل التضخم بأسرع الطرق للاستدلال على تحقيقنا لمستويات عالية من النمو، وهنا يجب أن لاننسى بان ضخ الحكومات للمليارات بطبع الدولارات واستمرار ارتفاع أسعار النفط والمصانع مغلقة أيضا سيرفع التضخم ولكنه سيؤخر النمو.