تناضل الشعوب نضالاً قوياً، وتبذل كل طاقاتها ، وإمكاناتها ، وتوظف العقل عند كل أطياف وشرائح مجتمعاتها ، وتستنفر مؤسساتها الرسمية والمدنية ، وتستميت من أجل محاصرة كل أشكال التخلف ووأدها تماماً ، لإن الايمان عندها متأصل بأن الحياة لايستحقها إلا المتفوقون ، المنتجون، العاملون ، وأن التاريخ لايمكن أن يلتفت ، أو يحتضن ، أو يفسح مكاناً ولو محدوداً للذين يعيشون على هامشه ، وخارج سياقاته ، ولا يدخلون برغبة قوية ، وأدوات جيدة في صناعة المستقبلات ، والمساهمة في توجيه التحولات ، والمتغيرات ، واستيعاب المنجز العلمي ، والثقافي ، والمعرفي ، وتشكيل الأجيال الطالعة بصورة معلمنة تهضم عبر تكوينها الفكري معنى المساهمة في صناعة الحضارة الإنسانية ، والدخول في مفهوم العمل الأممي الشامل الذي يضع سعادة وأمن الإنسان هدفاً ، ويعمل على تحقيق الترابط ، والتفاهم ، والحب ، والمشاركة بين كل الكائنات البشرية دون تفريق ، أو فرز ، أو نظرة شوفينية عنصرية للمعتقد ، أوالجنس ، أو اللون ، أو الهوية . هكذا تفكر وتعمل الشعوب العاقلة ، والتي تسكنها الرغبة والإرادة والفهم لتحقيق البقاء ، والمنافسة ، وإيجاد مساحة تحت الشمس . وتؤمن بأن الانشغال بغير تأصيل المفاهيم المعرفية ، والتنويرية وزرعها في تربية أجيالها ، إنما هو عبث ، ومسار يفضي بها حتما إلى التفتت ، والانهيارات ، والبؤس ، لأنها في هذه الحالة ستكون عبئاً ، إن لم نقل داءً على الشعوب المحصنة بالمعرفة ، والمنتجة وعياً ، وفكراً ، ومنجزاً علمياً . والسؤال الصادم الذي نتحاشى دائماً طرحه كأفراد وجماعات ، أو لانملك الشجاعة في مواجهته ، أو نستخدم المداورة ، والالتفاف ، وخداع النفس والناس عند ملامسته ، أو الاقتراب منه ، السؤال كالتالي : ماهي انشغالاتنا ، وهمومنا ، وقضايانا التي تأخذ وقت المفكرين ، والمثقفين ، وأساتذة الجامعات المؤهلين والحقيقيين ، والنخب التنويرية ، أو طبقة الأنتلجنسيا ، ونحن شريحة الكتاب ، والصحافيين ، والإعلاميين .. ومن يشتغلون بالهم الاجتماعي ، والإنسان ؟ المؤلم ، والمحبط ، وما هو وجع يقضي على كل وظائف وخلايا جسم المجتمع ، والوطن ، والتاريخ ، والإرث ، والجغرافيا ، والهوية ، ويضع سدوداً قوية في سبيل التقدم ، وصناعة التفوق ، ويشلّ قدرة الإنسان ، ويحبط نضالاته في محاولاته ، أو أمنياته ورغباته وتوجهاته لجعل وطنه وطناً للشموس ، والانجازات ، والتقدم العلمي ، والصناعي ، والفكري ، أن انشغالاتنا صُرفت بفعل ممارسات وهرطقات لتتمحور في جوازعمل المرأة " كاشير " أو مناقشة هدم الحرم الشريف وتخصيص أماكن للنساء وأخرى للرجال ، أو ضوابط دخول الشباب إلى " المولات " التجارية ، أو تحصين خالد الفيصل بن عبدالعزيز من السهام المسمومة التي بدأت تصوب له لأنه يصد عن سبيل الله (!!) ، أو ضرورة فتح عيادات في المستشفيات للرقية الشرعية ، وربما مستقبلاً عيادات لتفسير الأحلام كاستباق تحصيني للمجتمع من الأمراض النفسية ، أوالتبشير بالجن الذين اعتنقوا الإسلام بفضل دروس بعض الأشخاص . هل نمضي لنعدد اهتماماتنا ، وما تدور حوله نقاشاتنا في هذا المجتمع المظلوم ببؤس ، وخواء بعضه ..؟ أحسب أن الكلّ ، أو بعض الكلّ يعرف ، ويحزن وهو يرى العالم يُنجز ، ويتقدم ، ويدخل في منظومة العالم المتطور والحضاري ، ونحن لانزال نقتات التخلف ، والجهل ، وتعطيل العقل.. الحديث لم ينته .. لنا تواصل .!؟