مع تشبيه رئيس الأركان البريطاني الجنرال «ديفيد ريتشاردز» أيدلوجية الإسلام بالنازية، إلا أنه اعترف باستحالة الغرب هزيمة القاعدة، ومع أنه لم يأت بجديد، أو يطرح فكراً آخر يوقف أي عدوان بدوافع أكثر من الفكر النازي، كما حدث في احتلال العراق وأفغانستان، إلا أنه فضل سياسة الاحتواء والمنع من المنبع بتعزيز الديموقراطية والمشاريع المختلفة.. هذا الإقرار بالعجز لم يكن بعيداً عن فطنة البريطانيين، لكن المكابرة والسير مع الركاب الأمريكي عناداً بدول حلف الأطلسي الرافضة لأي مغامرة عسكرية، ومحاولة بعث قوة بريطانيا العظمى، كانت الدوافع للركض خلف سراب تأديب الدول والشعوب، وعدم مراعاة الظرف الدولي المتغير الذي بدأ يقلب الأفكار ومراكز القوى، بما فيها الصغيرة التي نجحت في أن تستنزف الدول الغازية وتضعها في الموقف الأكثر صعوبة.. أفغانستان دولة بتضاريس معقدة، وشعبٍ محارب تتماثل في التاريخ والجغرافيا مع فيتنام، وقد فشلت جميع الدول التي غزتها، وآخرها جبروت الاتحاد السوفياتي السابق الذي خرج من الهزيمة إلى زوال الدولة العظمى الثانية، وطالبان، مهما اختلف معها حتى المسلمين، فهي قوة نافذة في بلدها، ولو أسعف الوعيُ الدول الغازية بأن سيّرت مبالغ تكاليف الحرب في مشروع إعمار أفغانستان وفق خطة شبيهة بإعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، لزال شبح أي تطرف أفغاني، ولكسبوا دولة، وشعباً إن لم يكونا محايدين فهما حلفاء للغرب، والآن، ومن خلال الإقرار بأن أفغانستان موجودة في حزام الأزمات، وأنها طرف في حرب طويلة أفرزت خسائر في الأرواح والمال، وطرحت بعدها كقوة لا تهزم، هي التي أعادت التفكير بالخلاص من المأزق.. فإلى جانب الأضرار التي تعرضت لها أفغانستان من حربين جائرتين ودفْعِها لأنْ تكون مركزاً لتفريخ الإرهاب، واحتضانه، بسبب استنزاف مواردها والسعي لإبقائها دولة بلا اقتصاد ولا تعليم أو وسيلة تنمية أخرى، لجأت إلى الاستعانة بزراعة وتصدير المخدرات ومعها تصدير القوى المتحركة كونياً بضرب القواعد الغربية بتحالفها مع القاعدة، ونموها في بلدها كرمز عجزت الحكومة المركزية هناك عن خلق بيئة مصالحة وطنية وسلام شامل، لأن الحالة التي نشأت فيها السلطة ظلت مجرد لعبة صغيرة في يد الحلفاء، ثم إن طالبان تدرك أن القوى الغازية ستنهي دورها بما يشبه الهزيمة، وبالتالي لن تكون الدولة بالقوة التي تجعلها تحافظ على توازنها داخل مجتمع أقر بفسادها.. أيضاً، ومن خلال تجاذب المتصارعين، أصبحت إيران لاعباً أساسياً داخل اللحمة الأفغانية، سواء من خلال دعم الحكومة وشرائها، أو دعم طالبان في المواجهة مع أمريكا، وهذا بدوره فرض ما يشبه المساومة مع إيران في العراق أولاً، وأفغانستان ثانياً، وهي الحقيقة المرة لمأزق مكلف عسكرياً ومادياً..