لقد كانت ذروة الارهاب ضد المسيحيين المجزرة التي ارتكبت ضد كنيسة سيدة النجاة في بغداد قبل ايام والتي تفاخر تنظيم القاعدة بتنفيذها باسم الاسلام الذي أضفى قداسة مطلقة على دور العبادة لكل الديانات السماوية عبر التاريخ وإلى اليوم كان المسيحيون العرب هم ملح أرض هذه المنطقة ، وقد يكون صحيحاً ما قاله مؤخراً المفكر العروبي العلماني الدكتور كمال صليبي حول التلازم بين العروبة وبين المسيحية بجذورها التاريخية قبل الاسلام ، في ظله والى اليوم يقول الدكتور صليبي: "اذا خلا العالم العربي من النصارى فلا يعود ممكناً إذاً تسميته بالعربي ، ولا يمكن التظاهر بعدها بوجود عروبة من أي نوع" ولا يتحدث الدكتور صليبي عن المسيحية كدين وإنما كأحد مكونات الهوية الحضارية العربية التاريخية. ولا يحتاج الأمر الى فصاحة او نبوءة للتأكيد على انه بعد احتلال العراق تم استهداف المسيحيين في العراق وترويعهم لدفعهم للهجرة وهو ضرب لعروبة العراق التي يتم ضربها من زوايا عديدة أبرزها الفتنة المذهبية الشيعية - السنية في العراق. لقد كانت ذروة الارهاب ضد المسيحيين المجزرة التي ارتكبت ضد كنيسة سيدة النجاة في بغداد قبل ايام والتي تفاخر تنظيم القاعدة بتنفيذها باسم الاسلام الذي أضفى قداسة مطلقة على دور العبادة لكل الديانات السماوية. والذي لا يخفى أن هذه الجريمة الارهابية النوعية والشريرة بمراميها السيئة والخبيثة هي جزء من الغزوة الاجرامية الارهابية التي عصفت بالعراق واستهدفت ضرب كل مقوماته ومكوناته وتاريخه وعروبته وهويته الحضارية والانسانية وتراثه.. الخ. وقد لا تكون الولاياتالمتحدة قد نفذت هذه العملية الاجرامية ضد مصلى كنيسة النجاة في بغداد وبأيدي جنودها لكنها نفذتها بشكل غير مباشر وبأيدي أدواتها لتحصد وحدها نتائجها وتداعي هذه النتائج على المنطقة. وقد يدعي منفذو هذه الجريمة الارهابية التهور والجنون لكن ذلك لا يمكن تصديقه في غياب إيراد اي سبب حتى لو كان واهياً ، ونسأل: ما هو الفرق بين قتلة المصلين في كنيسة النجاة في بغداد، وبين قاتل المصلين المسلمين في الحرم الابراهيمي في الخليل والتي أدمت قلوب كل العالم؟ والتي كانت أمراً واضحاً في التعبير عن الحقد العنصري الصهيوني.. والامثلة كثيرة للإفرازات الاجرامية للاحتلال وآخرها مجزرة قتل المصلين المسلمين في بيشاور يوم امس الاول. وبهدوء رغم الغضب الذي يجتاحنا ونحن نناقش مسألة قتل المصلين وتحديداً في كنيسة سيدة النجاة في بغداد فإننا بهدوء نسأل هل يمكن لتنظيم القاعدة ان يدّعي انه ارتكب هذه الجريمة لأسباب سياسية مثلا، وكيف يصبح ذلك في الاذهان ونحن نعرف انه من بين آلاف او عشرات الآلاف من المتعاونين مع الغزو من العراقيين ومن المشاركين فيه لا يوجد اسم مسيحي واحد من اهل العراق ، فعلى ماذا يُعاقب مسيحيو العراق من قبل من يدّعون أنهم يتصدون للغزو ويحاربون سلطة الاحتلال؟!أما من الناحية الاسلامية التي يتاجرون بها ويختطفونها فإن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وهو قدوتنا كان ملاذه الاول ، يوم نزول الوحي عليه لأول مرة ، مطران مكة ورقة بن نوفل ، وكان الراهب بحيرة من اقرب اصدقاء الرسول ومستشاريه ايضاً وكذلك كان زواجه من ماريا القبطية عنواناً لانسجام وتكامل الاديان السماوية ، والكنائس بشكل خاص كانت لها حرمتها وخصوصيتها فأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رفض يوم فتح القدس دعوة بطريرك القدس للصلاة في كنيسة القيامة حتى لا يتخذها المسلمون حجة لبناء مسجد مكانها والأهم هو الميثاق الاسلامي - المسيحي عبر العهدة العمرية للمسيحيين بتطهير المدينة المقدسة من اليهود وأن تكون للمسيحيين والمسلمين.. إلخ. لا يتسع هذ المقال لايراد الامثلة ولا النصوص القرآنية والمبادئ الاسلامية التي تحرم "هدم البِيع والصلوات والكنائس والمعابد" وتحض على المودة بين المسلمين والمسيحيين وتحريم الاعتداء عليهم وعلى غيرهم بلا سبب ومن ذلك قوله تعالى "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا اليهم ان الله يحب المقسطين" ، والبر ورد في القرآن خاصاً بالوالدين كذروة إيجابية في العلاقة الانسانية وورد في ذكر من لا يبدأ بالعدوان على المسلمين فاين هؤلاء الذين نفذوا الجريمة من الامر الإلهي بمحاربة من يقاتلوننا في ديننا ووجودنا من اليهود ، ومن يبروننا من المسيحيي؟! وهنالك مئات الفتاوى من الصحابة وعلماء الامة بهذا الشأن ومنها فتوى "ابن تيمية" عندما ارسله السلطان قلاوون حاكم مصر لمفاوضة التتار بشأن اعتقالهم لآلاف من المسلمين والمسيحيين عند اجتياحهم لدمشق يومها عرض التتار على ابن تيمية ان يفرجوا عن المسلمين وان يبقوا على المسيحيين فواجههم بمقولته المبدئية الشهيرة: "أهل ذمتي اولى من اهل ملتي" مطالباً اياهم بالافراج عن المسيحيين اولً..ا ولعله يكون في كل ما قلنا ما يؤكد ان جريمة الكنيسة هي جزئية من الجريمة الكبرى باحتلال العراق.