جاء بيان الديوان الملكي الذي صدر أول من أمس بتعرض خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى وعكة صحية. انعكاساً وإيماناً من القيادة بضرورة إعلام المواطنين بما يجري ويحدث داخل أروقة القصر الملكي، وجاء استهلال البيان الصادر أول من أمس من الديوان ترسيخاً لمضمون هام وهو الشفافية حيث أكد أن هذا الاعلان يأتي من ذات المبدأ الذي انتهجه الملك فيما بينه وبين أبنائه وبناته من شعب المملكة. تأتي الشفافية إحساساً من القيادة بمدى الوعي الذي وصل إليه المجتمع، وضرورة إطلاعه على تفاصيل غاية في الدقة والوضوح فلم يكتفِ البيان بإعلان تعرض الملك إلى وعكة صحية، بل أظهر نوع الوعكة وتشخيص الأطباء. وهذا بلا شك يحسب إيجاباً لأن « الاشاعة « تصبح مجالا للمبالغات والاخبار غير الدقيقة ، وبالتالي فالإفصاح الكامل جاء لقطع الطريق على التأويلات والاجتهادات التي لا يمكن احتمالها في مقام القيادة. جدير بنا أن نعلم أن مبدأ الشفافية في غالب الدول تنادي به مؤسسات المجتمع المدني على مستوى الدول إلا أن بيان الديوان الملكي أحدث نوعاً من التغيير في هذه القاعدة بحيث انعكس المبدأ من القاعدة إلى مؤسسات المجتمع وأجهزته الحكومية، الأمر الذي من شأنه إعطاء زخم وقوة لتكريس الفكرة والممارسة. لقد جاءت ردة فعل القيادة للعديد من الأحداث التي مرت بها المملكة في الآونة الأخيرة، انطلاقاً من هذا المبدأ. فقد كان الملك عبدالله بمصارحته لشعبه وصدور البيان الملكي حول ما سيتم اتخاذه في كارثة سيول جدة بمحاسبة المقصر كائناً من كان . الملك يتسلم تقرير لجنة التحقيق في فاجعة سيول جدة لقد كان صدور البيان الملكي بالخطوات التي ستتبع لمعالجة المآساة وفيما بعد تسلم الملك عبدالله تقرير اللجنة التي كان قد أمر بتشكيلها لمحاسبة المسؤولين عن هذه الكارثة الامر الذي جعلنا امام حقيقة أن رد فعل القيادة لم يكن لامتصاص الاستياء بقدر ماهو وعد ووفاء. مشهد آخر من مبدأ الشفافية يأتي أيضاً من القيادة نحو جهاز حكومي آخر وهي وزارة الخارجية عندما طالب الملك عبدالله سفراء المملكة عندما استقبلهم بفتح أبوابهم أمام المواطنين قائلاً لهم «ما أسمعه عن إغلاق سفاراتنا غير مقبول وافتحوا أبوابكم وقلوبكم لإخوانكم المواطنين»، فخادم الحرمين هنا يطالب سفراء يحملون رسالته إلى دول العالم وأمام وسائل الإعلام التي يشاهدها الملايين داخل وخارج المملكة باحترام المواطن السعودي في نفس الوقت يظهر أمام شعبه انتقاداً واضحاً لوزارة هامة في حكومة المملكة . ننتقل إلى مشهد آخر، فكلنا نتذكر حديث الملك عبدالله أمام مجلس الوزراء عند إعلان الميزانية وهو يتحدث عن «مشاريع ضائعة» . لا يمكن ان نعتبر هذا الحديث كلاسيكياً في دول العالم النامي التي تحرص على تلميع الأجهزة الحكومية ، وتسخر أجهزة إعلامها لتكريس ذلك وهنا نجد العكس حيث جعل الملك عبدالله المسؤول في مواجهة الإعلام بتسليط الضوء عليه ، قائلاً « الحمد لله رب العالمين على هذه الميزانية ، ولله الحمد فيها الخير وفيها البركة إن شاء الله ، المهم عليكم إخواني إتمامها بجد وإخلاص والسرعة ، وعدم التهاون في كل شيء يعوقها ، لأن هذه أسمعها أنا من الناس وأحسها بنفسي ، بعض المشاريع إلى الآن ما بينت ، ضائعة. لكني آمل منكم الذي يجد تقصيراً من أي أحد ومنهم وزير المالية أن يخبرني ، لأنه لا يوجد تقصير أبداً أبداً ، واللوم إذا جاء يجيء على الوزير فقط». إن تكريس الملك عبدالله للشفافية يكسب المواطن حجة أمام مسؤولي الحكومة الذين يتوجب عليهم مصارحة المواطن وجعل الشفافية مبدأ هاماً لدى القيادات الوزارية ، وعدم التوهم بأنه يمكن ان يمارس التعتيم لأنه وإن حدث ذلك فإن ذلك لن يمر أمام مصارحة الملك عبدالله لشعبه. إن إنشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد هي خطوة تكريس من خادم الحرمين لمبدأ الشفافية لجعل هذا المبدأ حقيقة مؤسسية توفر المعلومة للمواطن وتجعله في موقع الحدث وعين الحقيقة دائماً. بقي أن نرى شفافية المؤسسات الحكومية وهي تتحدث عن قصورها وخطأها ، كما نراها تعلن عن منجزاتها من أجل أن تكسب احترام المواطن ورضى القيادة. الملك خلال لقائه بسفراء المملكة في أنحاء العالم. (واس)