اسألوا الفلسطينيين عن حب الوطن، فقد تشققت أقدامهم في رحلة الشتات بحثاً عنه.. بحثاً عن جزء منه.. اسألوا الكويتيين عن حب الوطن حينما وضعوا جنوبهم يوماً خارجه ذات يوم.. اسألوا الملايين المشردة من العراقيين عن لهفهم إلى دجلة والفرات. لا يعرف حبك أيها الوطن إلا من فقدك، ولا يعرف قدرك إلا من ذاق الذل خارجك، ولا يعرف نعيمك إلا من تقلب على جمر الغربة وجحيمها بعيداً عن فيئك. لكن هل تصدق أن هناك من يعتاش منك فيؤلمه أن يبقى شيئاً من الحب في قلوب أبنائك، هل تصدق أن هناك من تغيظه ابتسامات أحفادك حولك، وتحزنه أعراسك وأفراحك؟. كائنات أنستهم التخمة من موائدك حجمهم، وأعماهم الجشع حتى تورموا بالجحود فتبلدت أحاسيسهم.. تراهم أعلى الناس صوتاً وأكثرهم شعارات في يومك الوطني، أما في بقية أيام العام فتتحول شعاراتهم إلى حيل ودهاء يلتف كإعصار حولك لاستنزافك.. لا أعرف هل نجحوا في مسعاهم أم لا، لكن الذي أعرفه هو أن مكرهم بدأ يقترب من فلذة كبدك وحبيبتك وأبر الناس بك ليبعدوها عنك.. (السعودة) ابنتك البارة.. أحب أولادك إليك، وأكثرهم تعلقاً بك وحرصا على أناقتك.. (السعودة) ابنتك التي تغسل ثيابك وتكتم أسرارك، وتعتني بحافظة نقودك.. تشعر بالبعد عنك.. تتحرق شوقاً إلى لثم ترابك، تتمنى عناقك وتمريغ وجهها بين يديك.. تحن إلى الإنصات إلى قصص توحيدك وهي تسكب القهوة لك على شرفة أمجادك.. وتتساءل دمعتها: ترى من يسكب لك القهوة يا أبي.. من يرتب ملابسك.. من يوقظك لصلاة الفجر.. من يعد لك إفطار الحب ويناولك قرص الشمس كل صباح..؟ حبيبتك تخشى أن تشيب ذوائبها وهي تئن وجداً عليك.. تقتات بحسن الظن فيك.. تفترش الصبر وتلتحف الأمل في نخوتك و(فزعتك).. إن كنت لا تدري ما مصيبتها فأصغ إليها.. لكن لا تجعل الثعالب يتحدثون عنها، فلن يأخذوك يوماً إلى غرفتها وقد سكنوها، ولن يروك فساتينها التي اشتريتها ذات يوم لها فقد باعوها، ولن يروك صورها فقد مزقوها وشوهوها، ولئن سألتهم عنها يوماً، فسيقولون لك إن ابنتك التي سميتها (السعودة) عنوان للجحود والإهمال والكسل.. لقد هربت.. ضاقت بك فهربت.. انس أمرها فهي لا تجيد سوى إبداع العقوق والتذمر. الجشعون دوماً هكذا.. لا يريدون أن ترى مبدعاً في الدنيا سواهم، ولا مخلصاً سواهم ولا ناصحاً سواهم.. آه أيها الوطن الحبيب... كم من مشتاق إليك وهو فوق ترابك؟