عندما كنا في هيوستن حل علينا عيد الأضحى فاقترح الصديق عبدالكريم العودة أن نذبح أضحية..!! ولكن واجهتنا مشكلة الذبح، فالذبح بالسكين على الطريقة الإسلامية ممنوع ومحرم في تكساس وأمريكا كلها، فهم يذبحون إما عن طريق الصعق الكهربائي أو بمقامع من حديد - كعادتهم - غير أن أحد العاملين في المكتب الثقافي واسمه (أبوسلمان الملوّح) دلنا على مزرعة يسمح صاحبها بالذبح على كل الطرق.. وكان اسمه جاك.. ذهبنا عبدالكريم، وأسعد، وأنا، ووصلنا إلى المزرعة وكانت بها حظيرة ضخمة للأغنام، وبعد معاينة، وفحص، واطلاع، قام الأستاذ عبدالكريم باختيار تيس ضخم له لحية عجيبة. فقلنا يا عبدالكريم هذا تيس جبار، ولا يصلح أضحية فقال: إما هذا التيس والا (هونت) خلاص بطلنا.. وبعد جدل طويل أقنعنا عبدالكريم بوجهة نظره فهو يرى أن جميع الضأن غير مجزية لأنها مبتورة الأذناب.. فهم يقطعون إلية الضأن ليكتنز بدنه - وهكذا هم يفعلون دائماً بكل الذيول والأذناب - فأذعنا للأمر فقد وجدنا مسألة الأذناب هذه مسألة مقنعة ومهمة.. ثم قال عبدالكريم بحماسة إن لديّ خبرة في الذبح فدعوني أتولَّ الأمر بنفسي.. فجئنا بشفرة ذات حدين لو وضعت على صخر لفلقته نصفين.. ثم تللنا تيسنا لليمين.. وانسدح التيس الأمريكي مستغرباً وكانت عيناه الصفراوان تنظران إلينا وإلى عبدالكريم بشيء من الاستنكار والاستهجان.. وكنت واقفاً أقرأ ورقة الأضحية فقلت: اللهم إنها عن عبدالكريم ووالديه وعني ووالدي وعن أسعد ووالديه، وكان أسعد يتمتم ورائي ويردد الدعاء في روحانية وانسجام.. وفجأة ثار شيء عنيف بيننا!! ذلك أن عبدالكريم ما أن وضع حد السكين على رقبة التيس حتى ثار وهاج وضرب السكين بيده فطارت أكثر من خمسين متراً، وقفز نافراً فنطح أسعد وكان واقفاً في طريقه نطحة هائلة في بطنه فتكرفس المسكين وسقطت نظارته وأخذ يتخبط.. وبعد أن انحسر الغبار أخذ يتلمس طريقه ويبحث عن نظارته، ثم وقف ووضع يده على بطنه وقال في انفعال مرتعش وباللهحة اللبنانية: (ولك هيك يا عبدالكريم..؟). وقف عبدالكريم مذهولاً صامتاً.. وبعد مشقة نطق وقال وكأنه يحدث نفسه: والله عجيبة!! هذا تيس غير منضبط.. هذا تيس سيئ السلوك..!! أقبل جاك ضاحكاً ساخراً منا ومن (حالتنا) فالتفت عبدالكريم إليه وقال: هل لديك بندقية يا جاك؟؟.. قال جاك الذي لا يعبأ بشيء: نعم.. بكل تأكيد... ثم أحضر لنا بندقية (موزر) قديمة ربما انها من بقايا سلاح الحرب العالمية الأولى، لها رصاصة طويلة ضخمة كقرن ثور..!! انطلق عبدالكريم خلف التيس وأخذ يختله كما يختل القناص صيداً حذراً مع أن التيس كان قد اطمأن وأخذ يرتع في الحشائش التي حوله.. سار عبدالكريم خلفه متترساً ببعض الأشجار في ترفق وحذر، والتيس مستمر في رعيه يرفع رأسه احياناً ويتطلع إلى من حوله من باب الفضول فقط.. لكن عبدالكريم ساوره شك بأن التيس سوف ينفر وأنه لابد من ختله بحذر.. وعندما اقترب منه صار يزحف على صدره والبندقية أمامه تماماً كما يفعل الصيادون المهرة، حتى إذا كان قاب شبرين أو أدنى أطلق الرصاص من بندقيته، فضجت الدنيا وثار الدخان والغبار وسقط عبدالكريم بفعل رجفة بندقيته (الموزر) أما التيس فقد تطايرت أشلاؤه تبعثرت احشاؤه وانقسم إلى نصفين .. أقبل جاك في سيارته الزراعية الفورد القديمة ومعه زوجته وهو يضحك، والمرأة تولول وتصيح وتقول: أنتم مجانين.. أنتم مجانين you are all crazy. وبعد ساعات كان - عبدالكريم يقف وفي يده سكين حادة - منهمكاً في تقطيع (بيتزا) ضخمة في مطعم (هافانا) بشارع وست هايمر وهو يقول إذا فاتكم التيس الأمريكي فلا تفوتنكم (البيتزا) الايطالية...