تعجب الناس واستغربوا من الشروط الجديدة التي فرضتها السفارة الفلبينية في الرياض على كل من يريد الاستقدام لعاملة منزلية، وزاد على هذا التعجب رفض البعض لهذه الشروط التي اعتبرت مشددة جداً، وتقلل من قبول السفارة لطلبات الاستقدام. واعتراض الراغبين في الحصول على خدمات عاملة فلبينية منزلية أن السفارة ارتأت أن تكون شروطها تعجيزية حيث إن أول شرط يقتضي حضور الكفيل شخصياً لمقر السفارة مما سبب تجمع أعداد كبيرة من المواطنين أمام السفارة منذ ساعات مبكرة من فجر كل يوم للحصول على رقم انتظار لإنهاء باقي اجراءات الطلب إضافة إلى حزمة من الشروط غير المسبوقة وغير المطبّقة حتى من قبل سفارات الدول الأوروبية كما جاء في خبر الزميل محمد الغنيم بجريدة «الرياض». الشرط الثاني إرفاق شهادة من شرطة الحي الذي يسكنه المتقدم بالطلب تثبت عدم وجود أي ملاحظات أمنية عليه مع تعريف بالراتب ووصف واضح للمنزل إضافة إلى رسوم 320 ريالاً لمكتب العمل والقنصلية وكشف حساب للكفيل. والأهم من ذلك أن الراتب أصبح 400 دولار يعني 1500 ريال سعودي كما هو راتب رجال شركات الأمن السعوديين الذين يعولون أسرا، أو يطمحون للزواج، يضاف إلى ذلك إجازة اسبوعية يوماً واحداً مع توفير سكن مريح لها، ووجبات غذائية كافية، والتعهد بعدم إنهاء عقدها دون مبرر شرعي أو قانوني، ويجوز لها إنهاء هذا العقد عندما يُخل صاحب العمل بأي شرط من هذه الشروط على ان يتحمل شخصياً نفقات عودتها إلى بلادها. وأيضاً عدم تجديد عقدها بعد انتهائه أو نقل كفالتها إلا بعد موافقة السفارة. كما طلبت السفارة في عقودها الجديدة من كل كفيل أسماء أسرته وأعمارهم، وعنوان المنزل، وخريطة له، وزادت من غرابة شروطها إرفاق مساحة المنزل بالمتر للطابق الأرضي والأول وأرقام الهواتف. ولكن الأهم في الأمر هو تحديد نوع العمل الذي سوف تقوم به إن كانت عاملة منزلية أو ستعمل في رعاية المرضى، أو رعاية الأطفال أو تعليمهم أو غير ذلك باختيار أحد الخيارات! ومع الشروط السابقة غير المسبوقة والتي تحتاج إلى ملف علاقي متكامل من الأوراق، وركض في الجهات الحكومية لاستكماله، وانطلاق من الليل المظلم للوقوف أمام أبواب السفارة الفلبينية مع تعطيل أعمال الكثير من طالبي الاستقدام ويزيد من معاناتهم علينا أن نتوقف أمام عدة نقاط أهمها:- لماذا الإصرار على الاستقدام من الفلبين رغم جودة هذه العمالة؟ ولماذا لا يحاول الكفيل الذي اعتاد على العمالة الفلبينية البحث عن دول أخرى يستقدم منها؟ ولماذا كل هذه الشروط المتعددة رغم إيماني بأن لكل دولة الحق المطلق في حماية أبنائها وحفظ حقوقهم كيفما تشاء؟ ولكن من حق الدولة الأخرى التي تستقدم هذه العمالة أيضاً أن تدرس هذه الشروط وتعرف مسبباتها، ولماذا أعيدت صياغة مثل هذه النقاط الآن بعد سنوات طويلة من التعامل بين المواطن ومن يعملون لديه؟ بعض الأسئلة السابقة تمتزج مع بعض الشروط التي طرحتها السفارة الفلبينية والتي جاءت نتاجا لبعض الصور الرديئة والمتمثلة في التعامل مع بعض هذه العمالة من قبل بعض المواطنين، وبالتالي هي محاولة لعدم القفز على بعض بنود المعاملة الإنسانية الطبيعية لحق كل إنسان. من حق السفارة أن تطالب بوجبات غذائية كافية للعاملة في ظل أن بعض الأسر تمنح هذه الشغالة بقايا الطعام، والبعض يغلق ثلاجته بالقفل والمفتاح، من حقها أن يمنع عنها نظام السخرة في العمل والذي يمتد لأربع وعشرين ساعة، من حقها أن تمنع أن تعمل الشغالة لأسرة مكونة من عشرين فرداً تطبخ وتنظف، وتغسل ولا تنام إلا ساعات محدودة توقظها الأسرة من الخامسة صباحاً لتواصل الركض إلى الواحدة فجراً، من حقها أن تعرف طبيعة عملها الخدمة المنزلية، أو رعاية مريض، أو حمل أطفال أربعة أو خمسة، أو كل العمل، وهو ما يكون احياناً حيث تُرمى عليها أم مريضة، أو عجوز تطعم وتغسل، وأطفال يصرخون، ولهم احتياجات ومطلوب طعام، ونظافة منزل، وأحياناً تنتقل بين عدة منازل مع الأسرة للخدمة. هذه حقوقها وأولها أن تستلم راتبها كل شهر ويتوفر لها سكن مريح وليس في المطبخ، أو مع الأطفال، لكن أين حقوق المواطن المحترم، والذي يعرف جيداً حقوقه وواجباته، هل علينا أن نسلب حقه في التجديد لها حتى وإن كان هناك اتفاق بين الطرفين إلا بالعودة إلى السفارة وأخذ رقم والإمساك بالطابور لأيام؟ أين حقه في التعويض إن هربت، أو أنهت الرغبة في العمل دون سبب قوي أو مبرر يحفظ حقه المادي والمعنوي سوى أنها لا ترغب؟ ولماذا يكون الراتب 400 دولار مع مبلغ الاستقدام، والعلاج، وتذاكر السفر؟ المشكلة أن كثيرا من الحقوق ضائعة بين الطرفين، ولجان الاستقدام غائبة، والمواطن والعامل يشتبكان دون حلول جذرية تساهم في تنظيم التعامل، والتي أعتقد انها لن تكون حاضرة إلا من خلال شركات استقدام تتكفل هي بالتعامل مع السفارات، وتبرم العقد مع المواطن بالشروط التي ترضي الطرفين، وتحقق مرجعية لكل من العاملة وصاحب العمل إذا ما تم إلغاء نظام الكفيل الرديء، والذي أصبحنا نقف على خطوطه مع عدة دول محدودة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة. ومتى ما تم الاستقدام عن طريق شركات يدفع لها المواطن مبلغاً محدداً مع شروط ثابتة ومتحققة لنوعية العمالة التي يريدها، والعمل الذي ستعمل به، وأيضاً الالتزام بتسديد الرواتب للشركة، مع تكفلها بعلاجها، وإعادتها إلى بلادها، واستخراج إقامتها، وتغييرها في حالة عدم التوافق، وإلزامها بما هو مطلوب منها، وتفقدها بين آن وآخر، والتكفل بإجازتها الأسبوعية، سيمنح كل ذلك هذه العمالة والمواطن قبلها حقوقاً متكاملة، لا تمليها السفارة، ولا يغضب منها المواطن، ولا يُسلب حق لكل منهما. ومتى ما تم ذلك اعتقد أن على المواطن الذي يرغب في الاستقدام من الفلبين أن يتحمل الشروط القاسية كما يراها، أو يتحركها، ولا يتوقف أمامها من منطلق أن لكل دولة الحق في صياغة حقوق مواطنيها، دون أن تملك الأخرى الاعتراض طالما أنها غير معنية بالأمر!