حين اخترع الأخوان رايت أول طائرة حقيقية عام 1903 تجاهلت الأوساط العلمية إنجازهما لخمس سنوات ووصفت المجلة العلمية ساينتفك أميركان محاولتهما بأنها خدعة؛ وقالت: "الأمر لا يحتاج إلى شهود عيان كون تحليق جسم أثقل من الهواء مستحيل علميا"!! هذا أيها السادة عن إمكانية الطيران قبل مائة عام؛ ولكن ماذا عن إمكانية إلغاء الجاذبية من أساسها؟ ... بدون شك النظرة الحالية لإلغاء الجاذبية لا تختلف عن النظرة القديمة لإمكانية تحليق جسم أثقل من الهواء.. والحجة هنا هي أن إلغاء الجاذبية ادعاء يعارض كافة القوانين المادية والفيزيائية التي ندرسها في الابتدائية (وبالتالي يتعرض للسخرية والاستخفاف كل من يحاول السير بهذا الاتجاه)... غير ردود الفعل الساخرة تجاه إلغاء الجاذبية لا تمنع وجود ثلاث محاولات تستحق الوقوف عندها: المحاولة الأولى حدثت في فانكوفر عام 1979 حين اكتشف العالم الكندي جون هتسون طريقة لجعل الأجسام الثقيلة تطفو في الهواء. وحسب تصريحه حدث اكتشافه بالصدفة أثناء دراسته لتأثير التداخل بين الموجات الراديوية الطويلة. فقد لاحظ أن هذا التأثير ولد قوى تتنافر مع كل المواد المعروفة (حتى غير المغناطيسية منها؛ كالخشب والسيراميك والبلاستيك) فتجعلها تطفو في الهواء بمعزل عن الجاذبية.. وعلى عكس الادعاءات المماثلة عرض هتسون اختراعه في التلفزيون وأمام العلماء والمشككين وسمح بتصوير الظاهرة بكاميرات الفيديو.. ورغم الاعتراف العالمي بهذا الاكتشاف إلا أن هناك مشاكل وعقبات كثيرة حالت دون تطبيقه على نطاق تجاري واسع (ويمكنك التأكد من كلامي بمشاهدة تجارب هتسون في مواقع الفيدو من خلال إدخال Hutchison Effect) أما المحاولة الثانية فحدثت عام 1992 حين أعلن العلماء في جامعة تامبر في فنلندا عن اكتشاف طريقه نوعية لعزل الجاذبية. وما أثار الاهتمام بهذا الاكتشاف حدوثه في جامعة محترمة ومن فريق بحث جاد يرأسه الدكتور إيجن بودكيلونوف.. ولعلم الدكتور بوكيلونوف بخطورة هذا الادعاء عمد لتكرار تجاربه أمام علماء ومهندسين معروفين كما بعثه لجهات علمية وعالمية عديدة (من بينها الجمعية البريطانية للفيزياء التي قبلته ونشرته في مجلتها الرسمية).. ولكن الغريب أن تجارب بودكيلونوف أحيطت لاحقا بتعتيم إعلامي مفاجئ، وصمت فريق البحث نهائيا، ولم تظهر أي نتائج تالية دون أي تفسير واضح... أما المحاولة الثالثة فتتعلق بشركة بوينج للطيران (وقرأت عنها لأول مرة في موقع الBBC قبل ثلاث أعوام). فنقلا عن مجلة جينيز الدفاعية تولت شركة بوينج إكمال التجربة الفنلندية في ورشة سرية في مدينة سياتل. وقد أنيطت رئاسة المشروع بمهندس يدعى جورج ماينر عرف ببحثه الدائم في هذا المجال.. كما أكد الموقع أن شركة بوينج تملك تجارب سابقة لعزل الجاذبية بعضها نتيجة تعاون مشترك مع وكالة ناسا في محاولة من الطرفين لجعل المركبات والطائرات تطفو بلا وزن!! ... وفي الحقيقة.. متابعة الأمريكان للتجربة الفنلندية (وخوفهم من أي نجاحات أجنبية) يذكرنا بعلاقة هذا الموضوع ب"نظرية المؤامرة".. فالعالم الكندي جون هتسون مثلا (صاحب المحاولة الأولى) اتهم صراحة حكومة بلاده بالتعاون مع الجيش الأمريكي لسرقة أبحاثه وتدمير مختبره.. وهناك من يدعي بأن الحكومة الفنلندية تكتمت على تجربة بودكيلونوف بضغط من الحكومة الأمريكية (والبعض يقول الروسية) كون الدولتين تملكان تجارب سرية لاستعمال مضادات الجاذبية في الأسلحة العسكرية!!! ... على أي حال؛ بصرف النظر عن كل الادعاءات أكاد أجزم شخصيا بإمكانية إلغاء الجاذبية الأرضية قبل النصف الأول من هذا القرن (وبالتالي تمتع أحفادنا بسيارات وطائرات تطفو في الهواء بلا عجلات). بل أكاد أجزم بأن اختراع (البساط الطائر نفسه) أكثر واقعية وعقلانية من استيطان المريخ وزرع البحر... وعودة الأسهم السعودية لسابق عهدها!!