الإنسان عدو ما يجهل ويفضل دائما المعتاد والمألوف على الجديد والمختلف.. وهذه الحقيقة تكاد تكون عالمية وتتساوى فيها كافة طبقات المجتمع، بما في ذلك الفئات المتعلمة والهيئات العلمية الرصينة.. فحين اخترع الأخوان رايت أول طائرة حقيقية عام 1903تجاهلت الصحف ووسائل الإعلام انجازهما لعدة أشهر بل وصفت المجلة العلمية العريقة ساينتفك أميركان التجربة بأنها (خدعة) وقالت: "إن تحليق جسم أثقل من الهواء مستحيل عمليا"!! ونفس المعارضة واجهها جون بيرد حين اخترع التلفزيون، وتشالز بارسونز حين اخترع التوربين، وجون فرانكلين حين اخترع مانعة الصواعق، وعبقري الذرة انريكو فيرمي - الذي بصق على تراب ايطاليا قبل ركوبه السفينة مهاجرا إلى أمريكا!!.. غير أن المجتمع - بعد فترة من المراجعة والاستيعاب - يكتشف كم كان مخطئاً وكم تحمل المبدع (بما تشمله هذه الكلمة من انجازات) مشقة الإقناع والوقوف ضد التيار. وحين نتأمل اليوم الاختراعات العظيمة نتعجب كيف لم تلق قبولا عند ظهورها لأول مرة: فعلى سبيل المثال رفضت أكاديمية العلوم الانجليزية مبدأ توليد الكهرباء الذي اكتشفه مايكل فارادي. وحين ادعى أن الكهرباء تتولد بادارة سلك معدني داخل فجوة مغناطيسية (وهي الطريقة التي يعمل بها المولد الكهربائي) ضحك بعض الأعضاء واتهموه بالسذاجة وقلة المعرفة! أما الحكومة البريطانية فعارضت استقبال استعمال السيارة أول ظهورها ورأت أنه "اختراع خطير". وحين قررت - أخيرا - السماح بقيادتها أصدرت قانونا يلزم كل سائق باستئجار فتى يحمل علما أحمر ويسير قبل السيارة بعشرين ياردة (تصور)!! وفي عام 1902أعلن فون زيبلن تصميمه لأول بالون يمكن استغلاله تجاريا. إلا أن هذا الادعاء لم يرق لجمعية المهندسين الألمان فأصدرت بياناً تعارض فيه زيبلن (وما هي إلا سنوات قليلة حتى كان زيبلن يسيّر رحلات منتظمة عبر المحيط الأطلسي الى أمريكا)!! وفي عام 1668اخترع الهولندي ليونهوك الميكروسكوب ورأى بواسطته الجراثيم لأول مرة في التاريخ. ولكن الجميع اتهمه بالجنون حين ادعى مشاهدته مخلوقات مرعبة لا ترى بالعين المجردة (والغريب أن اكتشافه بقي مهملا طوال مائتي عام ولم يكلف أحد نفسه عناء التأكد مما قال)!! وحين أخبر أديسون مكتب براءات الاختراع في واشنطن انه يعمل على اختراع مصباح يعمل بالكهرباء نصحه مدير المكتب بعدم الاستمرار في مشروع كهذا - وكتب إليه صراحة "إنها فكرة حمقاء حيث يكتفي الناس عادة بضوء الشمس"!! وعلى ذكر هذا المكتب.. في عام 1899أرسل مدير مكتب الاختراعات رسالة إلى الرئيس الأمريكي يطالبه فيها بإغلاق مكتب براءات الاختراع لأنه حسب رأيه لم يبق في الدنيا شيء لم يخترع بعد.. (وبسبب ضيق أفق هذا المدير تم فصله بتوصية من الرئيس نفسه)!. أما القس النمساوي مندل فقد أسس علم الوراثة بعد سنوات طويلة من متابعة ومراقبة نباتات البازلاء.. وحين أرسل نتائج بحثه إلى أحد العلماء المشهورين رد عليه قائلا: لم أصادف في حياتي شخصا ضيع عمره في عمل تافه كهذا!! أما مخترع الهاتف الكسندر بيل فقد عرض اختراعه على شركة وسترن يونيون للتلغراف فتجاهلته تماما. ثم عرضه على مكتب البريد في لندن فرد عليه المكتب "تملك انجلترا عدداً كبيراً من الأولاد العاملين في توزيع البريد".. وحين شارك في معرض دولي للاختراعات لقي تجاهلاً من الزوار فصرخ من خلاله "أيها السادة أنتم حمير".. وحينها فقط لقي اهتماماً من الجميع!! .. الكسندر بيل لم يخترع جهازاً عظيماً فحسب بل حلاً أخيراً لتنبيه العقول الجامدة!!