أمر طبيعي أن نقرأ أو نستمع لشكاوى الشعراء المُستمرة من ظُلم الإعلام وهضمه لحقهم في الظهور وكذلك إبرازه لمن هم أقل إبداعاً منهم، فاللوم دائماً ما يوجه لمُعدي الصفحات ورؤساء تحرير المجلات الشعبية والمسئولين في القنوات الشعرية لتقصيرهم تجاه الشعراء المبدعين، ومن المفارقات أن نجد في مُقابل هؤلاء الشعراء شعراء آخرين يشتكون من حدوث عكس ذلك، ويطالبون وسائل الإعلام بتخفيف شدة الأضواء المُسلطة عليهم؛ ففي حوار تلفزيوني أُجري مؤخراً يُعلل الشاعر المبدع مدغم أبو شيبة سبب غيابه أو مُقاطعته للمقابلات التلفزيونية وزهده فيها منذ فترة طويلة بعدم رضاه عن الأسلوب الذي تنتهجه العديد من القنوات في طريقة عرضها للحوارات التي تجريها مع الشعراء، فالقناة تعمد بعد إجراء الحوار إلى بث القصائد الجديدة التي ألقاها الشاعر خلال اللقاء بطريقة متواصلة وشبه يومية إلى أن تفقد تلك القصائد وهجها بسرعة وخلال فترة وجيزة، ومن ثم يجد الشاعر الحرج حين يُطالبه جمهوره بالجديد سواء في المجالس أو في الأمسيات الشعرية. وما أشار إليه مدغم أبو شيبة أمر صحيح ومُلاحظ بشكل كبير، فثمة قصائد مُعينة وشعراء معروفون لا يتوانى المشاهد عن الضغط على زر تبديل القنوات بمجرد خروجها أو خروجهم على الشاشة الفضية، فهو على يقين بأن ما سيشاهده مُعاد وسبق أن شاهده وتشبع من مُشاهدته والاستماع إليه طوال الأيام الفائتة، فقد أصبح عمر القصيدة التي تبثها القنوات الشعبية قصيراً جداً في ظل هذا الأسلوب من العرض، فإعادة بث القصيدة بشكل مُستمر هو بمثابة (الإحراق) أو (القتل) لها بلا أدنى شك. فكلما تم بث القصيدة في فترات مُتقاربة -كما تفعل القنوات اليوم- كلما خَفَتَ وهجها وفقدت عنصر الدهشة الذي يستقبلها به المُتلقي لو أنها لم تُعرض له إلا مرة أو مرتين على فترات مُتباعدة؛ لذلك يُعذر أبو شيبة وغيره من الشعراء المبدعين في امتناعهم عن تسجيل قصائدهم الجديدة والمتميزة في القنوات ما دامت لا تُقدر الجهد الذي يبذله الشاعر في نظم قصيدته وتجويدها، وما دامت تسعى لملء أوقات العرض دون مراعاة للشاعر ودون وعي بأنه ليس آلة قادرة على صنع القصائد المتميزة متى تشاء ..! أخيراً يقول المبدع طلال الجميلي: قصايد الحب عنّتني على الفاضي لا قرّبت لي حبيب ولا أبعدت طاري ما غير تنقض جروح، وتِرجع الماضي وأرجع وألوم الشعور الحي بأشعاري