إن الاقليمالجنوبي من السودان الذي سيقوم الاستفتاء حول استمراره في الوحدة أو الانفصال عنها تشكل مساحته الأرضية ثلث المساحة من أرض السودان الموحد، ويتمتع بخيرات كثيرة وبتخلف فاضح يقعد بقدراته عن استثمار هذه الخيرات الكثيرة تدل كل المؤشرات في السودان أن انفصال جنوب السودان عن شماله أصبح أكثر ترجيحاً من استمرار الوحدة بينهما، على الرغم أن غالبية أهل الجنوب يميلون إلى استمرار الوحدة السودانية بين شماله وجنوبه، ويرفضون الانفصال بينهما، ويفرض على الرغم من ذلك ميل الاتجاه إلى الانفصال بسبب الموقف الرسمي في الجنوب السوداني، لأن الحكومة القائمة به، في ظل الوحدة، تفضل الانفصال على الوحدة. وفرض هذه الإرادة الرسمية بعيداً عن الإرادة الشعبية يدل على إنعدام المسلك الديمقراطي، على الرغم من أن السودان الموحد إلى اليوم يظلله دستور تقول أحكامه إن الوطن السودان ينهج في حياته المسلك الديمقراطي، بدليل الاتفاق على الاستفتاء الشعبي في جنوب السودان يوم 9 يناير من عام 2011م، وهو وضع قائم تحترمه الحكومة في الخرطوم، وتتعهد بتنفيذ نتائجه إن كانت الاستمرار في الوحدة بين الشمال والجنوب، أو كانت بالانفصال بين الشمال والجنوب، غير أن المسلك الديكتاتوري الشاذ في الجنوب يطالب من الآن وقبل موعد الاستفتاء بإقرار الانفصال والعمل به قبل الموعد المحدد للاستفتاء المحدد بيوم 9 يناير من عام 2011م، وهذا المسلك الديكتاتوري قد دفع الحكومة القائمة في الجنوب بحشد عسكرها عند حدودها الشمالية مع السودان متصورة أنها تستطيع أن تفرض إرادتها الانفصالية بالقوة، وبعد أن ثبت أن هذا المسلك السياسي والعسكري لن يؤدي إلى نتائج، بل سيفرض حرباً بين الشمال والجنوب الذي تراجع عن غيه بفرض الانفصال قبل الاستفتاء، ولكنه واصل حشد قواته عند الحدود مع الشطر الشمالي من السودان. إن الاقليمالجنوبي من السودان الذي سيقوم الاستفتاء حول استمراره في الوحدة أو الانفصال عنها تشكل مساحته الأرضية ثلث المساحة من أرض السودان الموحد، ويتمتع بخيرات كثيرة وبتخلف فاضح يقعد بقدراته عن استثمار هذه الخيرات الكثيرة إلى الدرجة أن الناتج الزراعي مرمى أكواماً أكواماً في شوارع جوبا عاصمة الجنوب السوداني مما جعل كل المستثمرين فيه يخرجون منه بخسائر فادحة بسبب سوء وسائل المواصلات على الرغم من أن هناك قولاً شائعاً بأن «السودان سلة الخبز» للعالم بسبب الوفرة الإنتاجية في جنوبه وهذا قول حق ولكن نقل هذه السلة للخبز تكاد تكون مستحيلة فهي منتجة في الجنوب وتكدس فيه حتى تتلف وتصبح غير صالحة للاستخدام الآدمي. لا شك عندي أن الذي يخطط لفصل جنوب السودان عن شماله هو الولاياتالمتحدةالأمريكية التي تقوم سياستها الاستراتيجية في الشرق الأوسط منذ عهد ريتشارد نيكسون الذي وضعها الدكتور هنري كيسنجر وزير خارجيته بهدف تقزيم دول الشرق الأوسط العربية الذي يقابله عملقة إسرائيل، هذا التقزيم يعني تقسيم الدولة الواحدة إلى عدة دويلات اليوم يطالبون بأن يصبح جنوب السودان دولة مستقلة، ولن يقف هذا التيار الدولي عند هذا الحد، ولكنه سيطالب بفصل دارفور في غرب السودان لتكون هي الأخرى دولة مستقلة. الفكر الاستراتيجي الذي وضعه الدكتور هنري كيسنجر بالأمس جاء تطبيقه على يد الرئيس الأمريكي المجنون جورج بوش في أفغانستان والعراق بالحرب العدوانية عليهما وبدأ يتصاعد فيهما نغمة تجزئة اقليمهما لتقوم بها عدة دول وبدأت تتضح معالم ذلك بمطالبة الأكراد في شمال العراق بتشكيل دولة مستقلة لهم، هذا التفتيت للدولة الواحدة الذي يتجسد اليوم فوق أرض السودان سوف يؤدي إلى تبديل الخريطة الافريقية بتفتيت دول افريقية وإقامة دول جديدة، وكذلك الحال وفقاً للمخطط الأمريكي أن يحدث هذا التفتيت للدول في منطقة الشرق الأوسط لتقام على انقاض هذا التفتيت دويلات صغيرة لتقابل الدولة العملاقة بهذا الاقليم إسرائيل التي تعلن بمباركة الولاياتالمتحدةالأمريكية عن رغبتها في قيام إسرائيل الكبرى على الأرض الخاضعة للاستعمار الاستيطاني الذي تمارسه في الضفة الغربية ومرتفعات الجولان ومزارع شبعا. إن إسرائيل تريد بدعم من الولاياتالمتحدةالأمريكية أن تتخذ من القارة الافريقية عمقاً دفاعياً لها في مواجهة الدول المعادية لها في اقليم الشرق الأوسط، وهذا التوجه الاسرائيلي الأمريكي يتطلب بالضرورة إعادة رسم الخريطة السياسية الافريقية لتؤثر من هذا العمق الدفاعي على الدول العربية في القارة الافريقية في الشمال وتؤثر أيضاً من هذا العمق الدفاعي الافريقي على الدول العربية في شرق وشمال افريقيا بالقارة الآسيوية.. والمسألة اليوم ليست جنوب السودان وانفصاله عن الشمال وإنما القضية أكبر بكثير من هذا الانفصال لأن استقلال جنوب السودان يشكل عمقاً دفاعياً لإسرائيل تستطيع بارتكازها عليه أن تسيطر على مياه نهر النيل بالنسبة للدولتين العربيتين مصر والسودان، فتصاعد من جديد مطالباتها بالحصول على نصيب من مياه النيل بواسطة توجيه مساره ليصل بالصب في إسرائيل بدلاً من إهدار مياهه في البحر الأبيض المتوسط، ويدعم هذا الاتجاه أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تقول بأن السبل التقنية المتوفرة تمكن بسهولة تحويل مجرى نهر النيل لتصب مياهه في إسرائيل كأن واشنطن تريد مكافأة إسرائيل على عدوانها على العرب الذين يرفضون تماماً تطبيع العلاقات مع تل أبيب إلا تحت مظلة المبادرة العربية بإعادة كل الأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967م ولكن واشنطن العاجزة عن تحقيق الصلح الفلسطيني - الإسرائيلي ومن ثم العربي تريد أن تفرض عدواناً إسرائيلياً جديداً على المياه العربية بتوصيل مياه النيل إليها. هذه الحقائق دفعت القمة العربية - الافريقية في ليبيا إلى تحذير من خطورة الوضع في السودان وأصدرت قراراٍ منفصلاً عن الوضع في السودان تؤكد فيه ضرورة احترام سيادة السودان ووحدة أراضيه مع إجراء الاستفتاء في موعده بالسبل الديمقراطية من واقع التصور أن الأغلبية الشعبية مع استمرار الوحدة.