بعد أن كان حلم الوحدة العربية يلازمنا ،ويشغلنا ،ويداعب جفوننا، أصبح الآن الحفاظ على وحدة الوطن الواحد من أوطاننا من أهم واجباتنا الوطنية ، فأوطاننا مهددة بالتفتيت والانقسام طبقاً لمخطط صهيوأمريكي انطلق من فكر المؤسس الأول للصهيونية (تيودور هرتزل) الذي أعلن عنه صراحة عام 1904 حين قال: «نريدها من النيل إلى الفرات. إن ما يلزمنا ليس الجزيرة العربية الموحدة، وإنما الجزيرة العربية الضعيفة المشتتة المقسمة والمحرومة من إمكان الاتحاد ضدنا» ،وفي أربعينيات القرن العشرين – نشرت مجلة وزارة الدفاع الأمريكية البنتاجون مخطط المستشرق اليهودي الصهيوني برنارد لويس لتفتيت العالم الإسلامي من باكستان إلى المغرب على أسس عرقية وإثنية ودينية ومذهبية وذلك حتى يزداد التشرذم في هذا العالم المتشرذم أصلاً فتضاف إلى كياناته القطرية التي تزيد على الخمسين كياناً لتتحول كل تلك الكيانات حسب تعبير (برنارد لويس) «إلى برج وَرَقِي ومجتمعات فسيفسائيه أو مجتمعات الموزايك Mosaic Society .. فيتحقق الأمن لإسرائيل لنصف قرن على الأقل. فقسم العراق إلى دويلات ثلاث: كردية سنية في الشمال وسنية عربية في الوسط ،وشيعية عربية في الجنوب،وهو ما يجري تنفيذه اليوم في العراق،وتحدث عن تقسيم السودان إلى دولة زنجية مستقلة في الجنوب ،ودولة عربية في الشمال،وهو ما يجري تنفيذه اليوم على السودان،وتحدث عن تقسيم لبنان إلى خمس دويلات : مسيحية وشيعية وسنية ودرزية وعلوية ،أمَّا مصر فتقسم إلى دويلتيْن على الأقل قبطية في الجنوب ومسلمة في الشمال ،و بدأ تنفيذ هذا المخطط في حقبة الخمسينيات فشرعت إسرائيل في العمل على تثبيت وتقوية الميول الانعزالية للأقليات في العالم العربي والإسلامي ، وتحريك هذه الأقليات لتدمير المجتمعات المستقرة وإذكاء النار في مشاعر الأقليات النصرانية في المنطقة وتوجيهها نحو المطالبة بالانفصال،ونشر في فبراير 1982م دراسة استراتيجية خطيرة للكاتب الصهيوني «عوديد ينون»، قدّمها لوزارتي الخارجية و»الدفاع» الإسرائيليتين،يحث فيها على السعي الحثيث لتجزئة مصر إلى أربع دويلات: قبطية في الشمال وعاصمتها الإسكندرية، ونوبية عاصمتها أسوان في الجنوب، ومسلمة عاصمتها القاهرة، ورابعة تحت النفوذ الإسرائيلي». كما تحدث «ينون» عن «تقسيم لبنان إلى سبعة كانتونات، والسودان إلى ثلاثة، وسوريا إلى أربعة». ودعا إلى «تفتيت العراق لأنّ قوته تشكل على المدى القصير خطراً أكبر من أي خطر على إسرائيل». كما تحدث «ينون» عن «تفتيت الخليج، وإذابة الأردن في إسرائيل». وفي عام 1985، صدر كتاب عن رئاسة أركان الجيش الإسرائيلي يتضمن المخططات نفسها التي جاءت في دراسة «ينون»، وتحدث عن «المساعي الإسرائيلية في ضرب العراق وتفتيته»، ثم عاد ليستعرض بشكل أكثر تفصيلاً المشاريع الإسرائيلية «لتفتيت سوريا ولبنان والجزائر والسودان والخليج العربي». وعقدت ندوة في «مركز دايان لأبحاث الشرق الأوسط وأفريقيا» التابع لجامعة تل أبيب عام 1990 تحت عنوان «تفتيت المنطقة العربية»، وأخرى نظمتها جامعة «بارايلان» الإسرائيلية عام 1992 ،وأوصت بزيادة تكثيف الجهود لتفتيت الدول العربية، وتحويلها إلى حفنة من الهويات الطائفية والإثنية ، فخطورة المشروع الصهيوني لا تكمن في احتلاله لفلسطين فقط ،وإنَّما يتعدى ليمسّ الأمن القومي للبلدان العربية ، والوثائق الأمريكية التي تسربت إلى موقع ويكليكس تستهدف إثارة الشعوب العربية على زعمائها ،وإثارة الفتنة بين الدول العربية وإيران ،ولاسيما بين إيران ودول مجلس التعاون بهدف ضرب بعضهم ببعض ،فإن تعرضت إيران لضربة عسكرية أمريكية ، سيكون رد إيران ضرب تلك الدول التي تهاجم من أراضيها ومياهها ، فسيجعلوننا نقاتل بعضنا بعضاً ويدمر بعضنا بعضاً،وإلاَّ فلمَ لم تتسرب وثائق تكشف آليات المخطط الصهيوأمريكي في تفتيت الدول العربية والإسلامية ،وفي مقدمة ذلك كشف الدوريْن الإسرائيلي والأمريكي في إثارة الجنوب على الشمال والعمل على انفصالهما ؟ فمنذ الخمسينات تسللت الأصابع الإسرائيلية الصهيونية إلى جنوب السودان ،وأثارته على شماله ،ونشبت حرب أهلية بينهما عقوداً طويلة انتهت بقتل أكثر من مليونين وهجرة أكثر من ثلاثة ملايين صحبه تدمير البُنية التحتية للشمال والجنوب ،وعندما وقعت اتفاقية السلام الشامل عام 2005م التي نصت على استفتاء 9 يناير 2011م ،أثارت الأصابع الإسرائيلية الفتنة والتمرد في دارفور لتشغل الحكومة عن الجنوب والنهوض به ،ولتضعفها من جهة،ومن جهة أخرى لتعد لانفصال دارفور من جهة أخرى ،مع تحريض متمردي دارفور لإقامة دعوى ضد الرئيس السوداني في المحكمة الجنائية الدولية بزعم ارتكابه جرائم ضد الإنسانية، ونجد الولاياتالمتحدة التي دمرَّت البنية التحتية للعراق وأفغانستان قدمت من عام 2005 إلى الآن 6 مليارات دولار لجنوب السودان لبناء بنيته التحتية وتسليح جيشه ،ليس حباً فيه ،ولكن لتشجعه على التصويت لصالح الانفصال، وتهدف إسرائيل وأمريكا من انفصال جنوب السودان تنفيذ مخطط التفتيت ،والسيطرة على ثروات الجنوب من نفط ومياه النيل ؛إذ يمكن حجب مياه النيل عن شمال السودان ومصر ،فالنيل في جنوب السودان يسير في أراض سهلية من السهل إقامة سدود عليها ،وبذلك يمكن الضغط على مصر بتحويل مياه النيل لإسرائيل عن طريق صحراء النقب ،أو منعه عنها إن رفضت. وحفاظاً على وحدة السودان ،وإفشالاً لمخطط التقسيم والتفتيت للبلاد العربية والإسلامية على الحكومة السودانية أن توجه قنوات تلفازية ومحطات إذاعية بلهجات الجنوبيين المحلية لتوعيتهم بخطورة المخطط الصهيوأمريكي في الانفصال ،وأنَّ أمريكا وإسرائيل سوف تستوليان على ثرواتهم ،وستعم الفوضى والقلاقل البلاد ، والمثل أمامهم في العراق،وأنّ تقدم الحكومة برنامجاً في حال التصويت للوحدة ،يتلخص في مساواة جميع المواطنين في الحقوق والواجبات،وفي تولي المناصب القيادية ،ومنحهم الحرية الدينية ،وبناء البنية التحتية للجنوب، وجميع السودان ،وتوفير البيئة الآمنة للاستثمار ،وجذب رجال الأعمال العرب والمسلمين للاستثمار في السودان ،ممّا يؤدي إلى القضاء على البطالة وإنعاش الاقتصاد السوداني ،وعلى بنك التنمية الإسلامي أن يدعم برامج السودان الإنمائية ،وعلى رجال الأعمال العرب والمسلمين أن يتوجهوا للاستثمار في السودان لينفذ برنامجه الإصلاحي والتنموي ليتحقق الاستقرار للسودان ،وعلى الدول العربية والإسلامية ومنظمة الوحدة الأفريقية الوقوف مع السودان في محنته .