الرياض أضحت اسماً جامعاً لمدن وبلدات كثيرة. لهذا يصح أن نقول إن لدينا الآن رياضين: الرياضالمدينةوالرياض المنطقة. وكل رياض منهما يستحق الحديث عنه والتوقف عنده كنتُ نشرتُ مقالاً عن هذا الموضوع في مجلة إمارة الرياض، ووجد المقال قبولاً واسعاً، وبعد نشره هاتفني وأرسل لي بعض القراء رسائل إلكترونية طالبين التوسع في هذا الموضوع في حديث الأربعاء، الذي أنشره يوم الأربعاء في جريدة الرياض، وآخرون طلبوا التوسع في مسألة الجغرافيا التاريخية للرياض. والصدق أن المعلومات في هذا الجانب شحيحة، على أن بعض القراء زودني بضميمة تستحق ضمها لمجمل الحديث. وهاأنذا أنشر هذا الحديث راجياً أن يجد قبولاً كما وجد سابقه، وآملاً أن يضيف قراء آخرون ما يرون أنه غاب عني. يختلف المؤرخون والإخباريون في معرفة مدلول كلمة الرياض. من أين جاء هذا الاسم، ومتى أطلق على هذا المكان تحديداً. وما مساحة هذا المكان المسمى بالرياض. إلى غير ذلك من المعلومات التاريخية والاجتماعية وربما غيرها. والناس مغرمون لمعرفة أسرار المكان وعبقريته. وتزداد صعوبة الباحث في كشف أسرار الرياض عندما يرى أنه أمام أكثر من رياض، ذلك أن هذا المكان يمتد ليشمل أماكن وبلدات كثيرة انضوت عليها الرياض. وفي العصر الحديث أصبحنا نقول منطقة الرياض، ولا نقول مدينة الرياض. لأن الرياض أضحت اسماً جامعاً لمدن وبلدات كثيرة. لهذا يصح أن نقول إن لدينا الآن رياضين: الرياضالمدينةوالرياض المنطقة. وكل رياض منهما يستحق الحديث عنه والتوقف عنده. ونبدأ بتحديد العام قبل الخاص. ونقول إن منطقة الرياض هي ما كان يسمى في عصر ما قبل الإسلام وفي العصور الإسلامية المبكرة والوسيطة بمنطقة اليمامة. على أننا سنواجه مسمى آخر يتداخل مع مسمى اليمامة وهو نجد. ونحن إذا أغفلنا التفصيلات البلدانية، نستطيع أن نقول إن التداخل بين المسميين إنما يحدث في غرب اليمامة حيث تقع عالية نجد. أما ما عدا هذه الجهة الغربية فلا تداخل يستحق التوقف عنده. ونحن نجد شذرات جغرافية متعددة عن اليمامة التي قلنا إنها تعني منطقة الرياض الحالية. وردت إشارات مهمة عند كل من: أبو إسحاق إبراهيم الحربي، والحسين بن عبدالله الأصفهاني، والحسن بن أحمد الهمداني وغيرهم كثير. ومجمل ما نجده من تلك الإشارات يتعلق بالجغرافيا التاريخية لمنطقة اليمامة. ولعل من المهم ربط تلك الإشارات بالدراسات الحديثة في ميدان الآثار. لأننا لا نستطيع في هذا الزمن الاتكاء على معلومات بلدانية فقط. ولعله من حظ الرياض المنطقة أن استقطبت دارسين وباحثين أنجزوا أبحاث ميدانية. تلك الأبحاث استغرقت عشرات السنوات وركزت على مواقع قديمة. ثم جاء بعد تلك البحوث المسحية الآثارية من استفاد من النتائج والمكتشفات، ووظفها أصحابها في قراءة تاريخ اليمامة. أولى تلك الدراسات: دراستان في العصر الحجري أعدهما العالم الأمريكي هارالد ماكلور في سنة 1971م. ثم دراسة ثالثة لموقع في شمال الرياض الشرقي في سنة 1995. ثم دراسة الدكتور عبدالعزيز الغزي لموقع البنة في محافظة الخرج سنة 1990م. وأخرى وهي دراسة آثارية لموقع السيح أنجزها الدكتور عبدالله السعود سنة 1997م. ثم بدأت الدراسات والحفريات والمسوح الآثارية تترى. من كل هذا استطعنا أن نعرف أن مسمى نجد ليس مسمى حديثاً كما يظن البعض، بل هو ورد في نقش صفوي وآخر آرامي، ويعني القيادة والإمارة والزعامة. وورد مسمى نجد في السريانية ليعني الدليل أو القائد. ومع حلول العصر التوراتي نجد اسم نجد في اللغة الآرامية يعني مكاناً. ولعل هذا هو أول مرة في التاريخ يُطلق مسمى نجد على مكان في وسط الجزيرة العربية. من هذا اشتق العرب أسماء وصفات كثيرة من كلمة نجد. أما اليمامة فلا نستطيع على وجه الدقة معرفة متى بدأ استعمال هذا الاسم ليعني المنطقة المعروفة في وسط الجزيرة العربية. ولعله اسم امرأة . وقيل إنها اليمامة بنت سهم بن طسم التي قتلت على يد الملك الحميري تُبع اسعد تبات. أو أن الاسم اشتق من اسم طائر صغير يُعرف باليمام، وهو حمام بري معروف. على أن البحوث الآثارية المعاصرة تشير إلى اسم ينطق هكذا (يممت) وهو اسم مكان ورد في نقش صفوي. أما مسمى الرياض فلا شك أنه اسم حديث قد لا يتعدى القرن الثاني عشر الهجري / الثامن عشر الميلادي. وللرياض المدينة أسماء وصفات كثيرة منها: حجر، حجر اليمامة، والقرية الخضراء، وخضراء حجر. وما يجمع هذه المسميات هو كثرة النبات والأشجار والخضرة مما جعلها تستحق مسمى الرياض. ومما سبق نستنتج أن الرياض كاسم كان متداولاً منذ زمن قديم. أما تخصيص هذا المكان الذي يحمل اسم الرياض فلم يأت صدفة، بل جاء بناء على ما تعارف عليه السكان الأولون لهذه البقعة. ومع هذا لابد من القول إن أمكنة معروفة لدى الآثاريين تستحق العناية بها، والحفر فيها، لأنها ستقودنا حتماً إلى معرفة أكثر. بعض الألغاز التاريخية، حلها موجود في باطن الأرض، وتنتظر من يستخرجها.