لم تسعفني قراءتي المتواضعة في علم الإدارة وتطورها التاريخي للتعرف على نموذج الإدارة بالترزز محليا ، فالفكر الإداري منذ بزوغ فجر المدرسة العلمية على يد علماء من الغرب مثل العالم الفرنسي هنري فآيول – والعالم الأمريكي فريدريك تايلور وما تبعها من تطوير على يد ماكس فيبر لم تضع لبنة لهذه المدرسة المحلية السعودية . وبتتبع المدارس الإدارية الحديثة مثل مدرسة العلاقات الإنسانية ومدرسة الموارد البشرية والمدرسة التجريبية ومدرسة النظم الاجتماعية وحتى الهندرة الإدارية لم تسعفني كثيرا . ولكن الأفكار الإدارية كادت أن تلامسها عندما طرح دوغلاس ماكقريقر عام 1960 كتابه الشهير «الجانب الإنساني للمنظمة» والذي كان له بالغ الأثر في الفكر الإداري والذي كان يحتوي على نظريّتيه ( x- y ) حيث ركز فيهما على الدوافع للعمل بناء على القيم لدى الفرد والإدارة . وتبعه في هذا المنهج الياباني الأمريكي وليام اوتشي عندما وضع أسس النظرية الإدارية اليابانية (المعروفة ب z ) وتبعه على مستوى محلي يوسف السلوم في مسعى لتأسيس نظرية إدارية سعودية اسماها (s) . جميع هذا التراكم المعرفي الإداري لم يسعفني بالتعرف على جوانب الإدارة بالترزز ، ولعل من قراء هذه الصحيفة من يتطوع ويشرح لنا بشكل أوضح جوانب هذا النوع من الإدارة. وتتلخص الفكرة في نظري في تشكّل إدارة وسطية (غير منظورة أحيانا) بعد تسلّم قيادي جديد لدفة إدارة منشأة ما ، ويقود هذا التشكل من يستطيع الوصول إلى القيادة الجديدة ويكون هو المدير بالترزز . وبذلك يكون هو ما نطلق عليه محليا «عكوز بكوز» والذي تراه في كل صورة وفي كل اجتماع ويملك حق الفتوى الإدارية باسم قيادة المنشأة . وبذلك يتلاشى الفكر الإداري الجديد ويذوب في مياه ثقافة المنشأة الراكدة . أو كما يحلو للبعض تسميته ابتلاع الفكر الجديد في مطحنة المؤسسة . وابرز ملامح شخصية هذا الإداري المترزز مشاغلته الدائمة لقيادة المنشأة بكل صغائر الأمور وفق قواعد «القيل والقال وكثرة السؤال» ، وتتحول هذه الشخصية المترززة إلى وكالة أنباء شبه رسمية لقيادة المنشأة . و مع هذا التطور الإخباري لهذه الشخصية وقدرتها على صياغة القصص وطريقة الإلقاء تختفي أمام قيادة المنشأة حكمة التوازن الاختباري الذي يفرز الغث من الثمين وذلك تتحول كامل المؤسسة مع أذن القيادي الى متلق سلبي أحادي المصدر الإخباري او القصصي مثل تلقينا لأخبار الوكالات الإخبارية العالمية . أحد الزملاء في منشأة إعلامية سمى هذه الشخصية ب «وكالة أنباء الريس» أما بقية العاملين فيستقون أخبارهم من وكالات الأنباء او دوائر الشائعات في المؤسسة . ويضيف الزميل أن هذه الشخصية صيد ثمين للصحفي المتمكن والذي يستطيع استدراج هذه الشخصية ليعمم ترززه الإداري إعلاميا وبالصورة لمناسباته وذلك لكي يحوله الى مصدر معلوماتي وخدمي لا يفصح عن اسمه عند تسريب أخبار المؤسسة . لعبة إدارية تصلح سيناريو لفيلم محلي يجاري كتابات بوب ودورد من داخل المؤسسة السياسية الأمريكية. كنت أتمنى لو واصل يوسف السلوم مشواره العلمي في الكتابة عن نظرية الإدارة السعودية ليكشف لنا عن أنواع (الإدارة بالترزز) و(الإدارة بالتملق) و(الإدارة باللقافة) و(الإدارة بالتميلح) و(الإدارة بتوصيل أبناء المدير من المدرسة) وإدارة «كله تمام يافندم» و»كلك زوق» الوافدة . ولا يجب أن يغيب عن الأذهان الرؤية النقدية للإدارة المترززة خاصة من جانب السيدات فهن الأقدر على كشف المستور من الداخل . فأمام العلن يظهر المترزز بوجه حضاري وداخل المنزل بوجه آخر . وهذا هو مرض « ابا الوجيه « الذي يصيب المترزز إداريا وأسريا.