ان الدعوة الحديثة الى التذكير على العلاقات الإنسانية داخل اي مؤسسة ليست وليدة العصر الحديث عصر فايول وتايلور، انما بحث ديننا الإسلامي الحنيف هذه العلاقات في كثير من مجالات الحياة وفي المؤسسات الدينية والاجتماعية والعسكرية، فضلاً عن الدعوة الى الدين بروح ومشاعر واحاسيس إنسانية، وقد ورد ذلك في آيات القرآن الكريم ومنها: قوله سبحانه «وشاورهم في الامر» - «وامرهم شورى بينهم». فالآيات الكريمة تدل على تطبيق مبدأ الشورى وهو مبدأ في الادارة الإسلامية بمختلف مستوياتها، وتطبيقه يقضي على الاستبداد والفردية بالرأي الواحد والذي احياناً يوقع في اخطاء جسيمة ومدمرة. والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ما هو الا مبدأ من مبادئ العلاقات الإنسانية التي كان يطلبها الإسلام حيث قال سبحانه: «ادع الى سبيل ربك بالحكمة الموعظة الحسنة»، وقوله «وقولوا للناس حسناً». كما اصى الدين الإسلامي بالابتعاد عن القسوة والغلظة والشدة في التعامل، وفقاً لقوله سبحانه «فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك». واكدت السنة على لسانه صلى الله عليه وسلم حيث قال «كلكم راع وكل مسؤول عن رعيته) ويقول: (أدبني ربي فأحس تأديبي)، وقال: (إن ربي استشارني في أمتي) او كما قال صلى الله عليه وسلم. وقد مارس صلى الله عليه وسلم مبدأ الشورى والتزم به، يقول ابو هريرة رضي الله عنه: (ما رأيت احداً قط اكثر مشورة لاصحابه من الرسول صلى الله عليه وسلم). ولعل الذي دعا تايلور الى هذا المنهج هو ان راحة العامل والموظف في الادارة وراحته النفسية والاجتماعية من الضرورات الملحة للعمل، لان العامل لم يعد جزءاً من الآلة او مكملاً لها، لانه من بني البشر يختلف في مادته عنها له ميوله واتجاهاته ورغباته وحاجاته الشخصية المستقلة وحاجاته الاجتماعية والنفسية التي يسعى مدير او رئيس المؤسسة الى توفيرها للعاملين. والعلاقات الإنسانية هي جميع الصفات التي تميز الإنسان عن غيره من الكائنات الحية، اي جملة التفاعلات بين الناس سواء كانت ايجابية مثل الاحترام والتواضع والرفق ام سلبية مثل التكبر والظلم والقسوة. وتقوم العلاقات الإنسانية على مجموعة من العناصر مثل ارضاء واشباع الحاجات الاساسية وما يرتبط بها من دواء ورفع الروح المعنوية فضلاً عن تحسين ظروف العمل والوضع المادي للعاملين وكونها - العلاقات الإنسانية - السلوك الاداري الذي يقوم على تقدير كل فرد وتقدير مواهبة وامكانياته وخدماته، واعتباره قيمة محلياً في حد ذاته. وبذلك تتحقق مقولة ان العلاقات الإنسانية ما هي الا الجو الانفعالي السليم للمدرسة. تتميز المدارس بفهم مختلف للعلاقات الإنسانية، فنجد مدير مدرسة يرى ان العلاقات الإنسانية هي ترك الحرية الكاملة للمعلمين لتخطيط العمل وتنفيذه كما يحلو لهم دون تدخل من المدير، علماً بأن هذا النوع من الادارة يؤدي الى الادارة الفوضوية او الترملية وينعكس على العمل سلباً ويرى مدير آخر العلاقات الإنسانية هي تكوين علاقات خاصة «الشللية» تقوم بتسيير المدرسة وهذا النوع ايضاً يؤدي الى خلق جو من الكراهية من قبل باقي المعلمين سواء كان مدير المدرسة من هذا او ذاك، فإن المفهوم الحقيقي للعلاقات الإنسانية هو المدير الذي يمارسها ويسعى الى تحقيق اهداف العمل في ظل احترام اللوائح والانظمة الخاصة بالعمل دون مخالفة لها. ولكنه يتفاعل معها بحسه الإنساني ويقوم بأداء دوره القيادي من خلال تنفيذ الانظمة والتعليمات وابلاغها الموظفين، لان مخالفتها او التحايل عليها، كون مدير المدرسة هو المسؤول الاول عن تنمية العلاقات الإنسانية السليمة وتطويرها بين عناصر المجتمع المدرسي. وذلك عن طريق القدوة لزملائه وطلابه واحترام آراء الآخرين فضلاً عن العدالة بين المعلمين مما يخلق جو من الثقة المتبادلة بينه وبين المعلمين، اذ ان مدير المدرسة هو الذي يستطيع كسب تقدير الآخرين ويستفيد بأحسن ما لديهم من قدرات، ويكون ذلك عن طريق ممارسة العلاقات الإنسانية التي تعطي سلطات غير رسمية اقوى من الرسمية حيث تساعده على ممارسة القيادة الناجحة وتقبل الآخرين لتوجيهاته النابعة بمشاركتهم بكافة خطوات العمل في اليوم المدرسي الناجح. من هنا تعد المدرسة بإدارتها الواعية لعلاقاتها الإنسانية هي المجال الحيوي المطلوب لتنمية سلوك التلاميذ، وذلك عن طريق الممارسة العملية والانغماس في المجالات العملية التي تخلق فيهم الاتجاهات المرغوب فيها. وهي - المدرسة - هي الجو العام الذي يسيطر على النظام المدرسي وبذلك تكون العلاقات الإنسانية هي السمة او الصفات التي تصنع الادارة المدرسية الديمقراطية اي خلق جو انفعالي سليم بالمدرسة. كما هي المبادئ والاسس في المنشأة تختص المدرسة ببعض الاسس والمبادئ الخاصة بالعلاقات الإنسانية المدرسية والتي اهمها ان يؤمن الفرد بالمؤسسة بما فيها مدير المدرسة بقيمة كل فرد واحترامه واجازة التفاهم المتبادل بين الاعضاء في المدرسة من مدير ومعلمين وطلاب، وكذلك التمسك بأهداف العمل والابتعاد عن اتخاذ المواقف السلبية واتباع مناهج البحث العلمي في حل المشكلات التي تواجه المدرسة. وينبغي ان يتحلى اعضاء المؤسسة بتطبيق مبادئ العلاقات الإنسانية وعلى رأسها المدير الذي ينبغي ان لا يهمل هذا الجانب وان لا يحقر من شأن اي فرد من افراد الجماعة سواء كان معلماً او تلميذاً او أباً، فإنه يهيئ الجو لتحقير الافراد الذين يختلفون معه بالرأي وبذا يشيع الانقسام وتضطرب العلاقات، ويشعر المعلم عندها بأنه ليس موضع ثقة لمديرالمدرسة، مما يؤدي الى فقد حماسه وعدم ميله للتعاون. وينبغي ان يتحلى المعلمون ايضاً بتبني تطبيق هذه العلاقات وذلك بنبذ التكتلات وان يحترم المعلمون الرأي والرأي الآخر مما يعود على التلاميذ بالنفع والمصلحة والفائدة، وتزويدهم بما يفيدهم من انشطة، وتنويع في اساليب تدريسهم وتحديثها واحترام آراء طلابهن وتقديرها. كما ان دعوة اولياء الامور لزيارة المدرسة والمشاركة في رسم سياسة المدرسة ضرورة تكون المدرسة عندها مصدراً من مصادر النهوض بالبيئة ومركز اشعاع فيها مما يؤدي الى توطيد الصلة بين المدرسة وبين المجتمع. من هنا نلاحظ ان اهمية العلاقات الإنسانية في انها تؤدي الى زيادة الانتاج ورفع كفاءته من ناحية واشباع حاجات الفرد ورضاه النفسي من ناحية أخرى على ابنائنا الطلبة وعلى شعورهم بالأمن والاطمئنان. من هنا نلاحظ ان العلاقات الإنسانية في المجتمع ضرورة ملحة واكثر ضرورة والحاحاً في المجتمع المدرسي الذي يلتقي افراده يومياً من الصباح وحتى ما بعد الظهر فهي عنصر اساسي وعامل ضروري لانسجام المجموعة وتعاونها في تحقيق اهدافها، وشرط من شروط الصحة النفسية والطمأنينة والرضا بين افراد المجموعة مما يجعلها اوفر نتاجاً ويحقق توافر العلاقات الإنسانية بالمدرسة من خلال ما يلي: - تماسك الجماعة الداخلية وسلامة بنائها والصلات الفردية والتفاهم والتعاون الوثيق والثقة المتبادلة. - رفع الوعي بينهم بأهمية الدور التربوي الذي يهدفون اليه واشعارهم بمسؤوليتهم الاجتماعية والتربوية. - رفع الروح المعنوية بينهم ومن ثم يتوافر الجو النفسي العام لصالح العمل. - زيادة كفاءتهم الانتاجية بتشجيع الاتصال بينهم واستغلال امكانياتهم الفردية والاجتماعية. - حل مشكلات التلاميذ التربوية والانفعالية. - ارتفاع سمعة المدرسة في المجتمع الخارجي وظهورها بمظهر مشرف في الداخل والخارج. فلتغدو العلاقات الإنسانية جسراً هاماً ومحتوى له ابعاده الانتاجية وتوابعه النفسية المثمرة وله آثاره المباركة التي تكون سواعد المعلمين في المدرسة فليس الخضوع للانظمة المدرسية واللجوء لقوانينها طريقاً لنجاح ادارة المدرسة بل بتوصيل ملامح الضوابط المدرسية الى معلميه بأسلوب مرن لبق وبطريقة تحفظ تضحياتهم وتثمن مجهوداتهم فالكل يحس بأعباء ويستشعر متطلبات الرسالة.