أتمنى أن يتحمل الزملاء هذه الإطلالة على الداخل، ذلك أن الممارسة المهنية في هذه الأيام تمر بمخاض صعب يستوجب منا جميعا أن نتعاطى معه بإيجابية إلى الحد الذي يسمح لنا بالنقد الموضوعي من أجل تشجيع التصحيح الذاتي للمهنة. ذلك مطلب أساس من أجل أن تواصل عملية نموها السريع سواء على مستوى الإعلام التقليدي أو الأنماط الجديدة التي تفلت عقالها فلم يعد هناك مجال لمراقبتها ولا حتى لمساءلتها بعد أن أصبحت عقوبة صحفي عملًا يراقبه البيت الأبيض في واشنطن وتتفاعل معه لجنة الحريات في الخارجية الأمريكية. علينا أن نعترف أننا نعاني من أزمتين أساسيتين في إعلامنا المحلي وهي أزمة المصداقية وأزمة الموضوعية. فمصداقية الخبر يعتريها الكثير من الشك وهو أمر ينسحب على الكاتب أيضا، وأذكر أن زميلة كتبت مقالة تهاجم فيها مسؤولا وهي لا تعرف من هو، وعندما نشرت مقالتها اكتشفت أن ذلك المسؤول عكس ما قالت وأنها تعرفه تمام المعرفة، وقد كان وضعا محرجا لها، وهو دليل جلي على أزمة في مصداقية ما ينشر ناهيك عن الأخبار الملفقة والمبالَغ فيها وتلك التي تجتزئ الحقيقة لتوجيه الرأي العام من أجل مصالح محددة. ومن أمثلة الموضوعية المستباحة تلك الفزعة التي يمارسها بعض الكتاب والصحفيين من أجل مجاملة صديق أو تلميع شخص أو مؤسسة، وهناك كتاب يتسلمون رواتب من جهات يعملون على تلميعها ويخالفون الرأي العام السائد فيها مستغلين جماهيريتهم وسعة انتشار صحفهم، ولو كُشفت أوراقهم لكانت كفيلة بأن تشطبهم من الممارسة الإعلامية تماما. وهناك كتاب يسافرون بجوازات خاصة وتأشيرات دبلوماسية من أجل أن يمارسوا المديح والتطبيل وبعضهم يستضاف من جهات رسمية أو خاصة ليعود ويسوّد البياض في رواية ماحدث وكان، وتلك الليالي والسهرات الملاح فمن يراقب أولئك القوم؟ بعض الممارسين للعملية الإعلامية لايعرف أين تتوقف حدود الحرية فيما يتعلق بمصالح بلاده العليا، وهذه ذات علاقة وطيدة بالمهنية. أمريكا التي تعتبر إماما في المهنية الإعلامية تتروى قبل أن تنشر في إعلامها الجماهيري واسع الانتشار ما يعرض مصالحها العليا للخطر؛ وقد لاحظنا ذلك أثناء الأسبوعين الأولين من اجتياح قواتها لأفغانستان عام 2001م. كما حدث ذلك من قبل على مستوى الصحافة البريطانية أثناء حرب الفوكلاند مع الأرجنتين. هناك من يناقشون موضوعات ذات طابع نظامي ويصدرون أحكاما وهم لم يطلعوا على مايكفي من المعلومات والمواد النظامية التي تحكم المادة المنشورة بالكيفية التي تجعلهم مؤهلين للاستشهاد بها بشكل موضوعي. سقف الرقابة يجب أن يتسع للرأي المخالف أياً كان، ولكن الأمر هنا لايتعلق برأي، إنه يتعلق بمعلومات خاطئة تقدم للقراء على أنها حقائق، تصدر على ضوئها أحكام بالتجريم أو التخوين أو القذف على أناس أبرياء بسبب عدم تحري الدقة والموضوعية والإحاطة الشاملة بموضوع المناقشة. هناك مشكلة حقيقية في المهنة ولابد من التعامل معها بجدية إذا أردنا أن نبني إعلاما محترفا يخدم بلادنا ويمارس دوره الرقابي والتنويري بشكل إيجابي، أما أن نستمر في اختلاق القضايا، وتزوير المعلومات، وإغفال وجهات النظر الأخرى فإن ذلك سيعني تواصل التخبط الذي لن يفضي إلى ممارسة إعلامية موثوقة. هيئة الصحفيين السعوديين وعلى رأسها الإعلامي القدير الأستاذ تركي السديري يجب أن تلتفت لموضوع تأهيل الصحفيين والنهوض بمستواهم المهني، وأتمنى أن يأتي اليوم الذي تمنح فيه الهيئة رخصة الممارسة المهنية وأن تعاقب من ينتهك قوانين النشر الصحفي بالإيقاف والشطب، فذلك هو الأمل الذي سيوجه الصحافة السعودية إلى حيث يجب أن تكون في الممارسة المهنية المحترمة..