على الرغم من تفاوت تقدير الحاجة إلى تعدد الزوجات، وقبول دواعيه الإنسانية والشرعية، إلاّ أن الغائب الأكبر في مجتمعنا هو كيفية إدارة التعدد بطريقة إنسانية وأخلاقية تحفظ للمرأة كرامتها وكبرياءها، بل وتمنح ذلك التعدد معناه، وبحسب تجارب المعددين في مجتمعنا؛ فإن غالبية أوضاعهم ليست إيجابية من حيث احترام معنى التعدد وما يلزمه من مسؤوليات تجاه العائلة. إدارة التعدد حول هذا الموضوع دار حديثنا مع "د. فهد العندس" الأستاذ المشارك بجامعة الملك سعود، والمدرب المتقدم في العلاج بخط الزمن والبرمجة العصبية اللغوية والتنويم الإيحائي والتفكير والحوار، حول الدافع في اهتمامه بموضوع إدارة تعدد الزوجات الذي بدا لنا أنه جدير بالتعلم، يقول "د. فهد": إن كثيراً من المعددين يواجهون عدداً من المشكلات التي تنشأ عن تجربتهم دون القدرة على إدارتها، مثل السكن الموحد للزوجات، والتشتت في توزيع الأغراض والملابس والحاجيات الشخصية على البيوت، وما يتصل بذلك من طرق تربية الأولاد، إضافةً إلى مشاكل أخرى كالارتباك عند اجتماع الزوجات في مناسبات طارئة كالمرض والولادة والأعياد، وما ينشأ على هامش ذلك من صراعات، مشيراً إلى أنه لا يدعو إلى التعدد، ولكنه يحزن على واقع المعددين الذين وظفوا هذه "الرخصة" في الإضرار بأنفسهم وبمن تحت أيديهم. وحول فكرة إدارته والتي تثير عند النساء امتعاضاً خشية أن يكون دعوة صريحة للتعدد، فإن "د. العندس" يتفهم ذلك النفور لديهن، ويقول: أقدر ذلك الشعور تماماً لدى الزوجات ولهن في ذلك العذر؛ لأن واقع المعددين في مجتمعنا لا يبشر في العادة بوجود نماذج مضيئة أو أمثلة محترمة، ذلك أن أغلبية المعددين تنعكس حالات فشلهم في هذه التجربة من خلال ظهور وضع عائلي قائم على إهمال الأبناء والبنات بطريقة تفرز نماذج سلبية في مجتمعنا، وهي نتيجة للعديد من ممارسة الظلم والأخطاء التي تقع على الزوجة السابقة، فيؤدي ذلك إلى بروز ظواهر سيئة في تربية الأبناء والبنات. حكمة ورومانسية وبمناسبة قضية إخبار الزوجة الأولى عند الرغبة في التعدد وما يتصل بها من حرج، أوضح أن المرأة كائن مليء بالمشاعر، وقد خصها الله بهذه السمة في جميع أدوارها كزوجة وأم وأخت، لهذا فهي حساسة جداً تجاه هذه القضية وتتأثر مشاعرها في جميع الأحوال، مشيراً إلى أن تهميش المرأة وإهمال معالجة هذه القضية معها بحكمة ورومانسية، ينعكس سلباً على نفسيتها، وهو من أشد الأمور عليها، لا سيما حين تسمع بخبر زواج زوجها من الناس، إلا أن هناك استثناءات تستدعي عدم إخبارها كمرض أو وفاة عزيز لديها، فإنه ينبغي على الزوج أن يكون حريصاً على عدم وصول الخبر إليها، لافتاً إلى أن السلوك الأفضل لمفاتحتها بالأمر، يكون عبر اختيار وقت مناسب وبأسلوب تمهيدي متدرج مصحوب بمشاعر الحنان والرقة والكلام الجميل، ومن المناسب كذلك أن يوعز لصديقاتها والمقربات إليها من أهلها لتهدئتها حين يخبرها. خطأ المكان الواحد ونصح "د. العندس" الزوج أن يؤاخذ الزوجة في تلك الحالة إذا صدر منها ردود أفعال سلبية، وأن يخصها بهدية أو سفرة إلى مكان تحبه ليشعرها بأنه لن يتخلى عنها بزواجه من أخرى، وأنها لا تزال تحتفظ بمكانتها الخاصة في نفسه، مضيفاً أن مفاتحة الزوجة الأولى بأمر الزواج اللاحق تترتب عليها تصرفات تحتاج إلى قدرة على التعامل معها، وحول مناسبة تهيئة لقاء الزوجات وما يتصل بها من مشاكل، أوضح "د. العندس" أنه في أيام الزواج الأولى يخطئ كثير من المعددين حين يحرصون على جمع زوجاتهم في مكان واحد، أو حتى في جوار واحد، ففي هذا الزمن أصبحت أجواء التعدد ساخنة ويترتب عليها بعض الخلافات بين الزوجات والأولاد، لافتاً إلى أن الوقت المناسب لبدء لقاء الزوجات هو بعد أن تلد الزوجة الثانية طفلها الأول، مبيناً أنه على الزوج تجنب موقف اللقاء بين زوجته أو زوجاته في مناسبة عامة، بل عليه أن يدبر اللقاء بطريقة تبدو كأنها مفاجئة لهن، كالالتقاء في منزل والد الزوج أو والدته ليخفف بذلك من حالة الاحتقان والتهيب التي تصاحب اللقاء الأول، كما عليه في ذلك الموقف أن يوازن بين كلامه ونظراته وسلوكه بالتساوي تجاه كل واحدة. د. فهد العندس طلاق الزوجة الثانية وعن حساسية الزواج الثاني تحديداً وأثره الخطير، يجيبنا "د. العندس": أن العجلة تعتبر من أبرز سمات الزواج الثاني، إذ يبحث فيه الزوج في الغالب عن بعض الصفات التي يفتقدها في زوجته الأولى، لكن التجارب أثبتت أن الزوج يفاجأ بأن الأولى ربما كانت أفضل من الثانية، وتبتعد عن خياله تلك الصورة الوردية التي افترضها في الزوجة الثانية، ذاكراً أن أغلب حالات طلاق المعددين ناتجة عن الزواج الثاني، لأن حياة الزوج تتغير وتصبح أكثر تعباً تجاه التزاماته حيال الزوجتين، بل وتختلط حساباته في تدبير الأمور بينهما، دون أن يكون للزوجة الثانية ذنب في كل ذلك، ناصحاً أي أسرة يتقدم لها شخص يريد الزواج بثانية، بتمييز وضع الزوج المتقدم ودراسة حالته وقوة شخصيته وقدرته الاقتصادية، وكذلك طبيعة علاقته بزوجته الأولى، فعبر الخلل في هذه الأسباب تقع حالات الطلاق غالباً في الزواج الثاني. الهروب إلى الأمام ثمة أخطاء منهجية تتكشف للباحث في موضوع إدارة التعدد، وعن هذه التجاوزات يقول: أخطاء كثيرة يقع فيها المعددون حين تتضح لهم استحقاقات كثيرة ومسؤوليات جسيمة تجاه عائلاتهم وما ينشأ عنها من مشاكل ومن أبرز هذه الأخطاء: محاولة الهروب إلى الأمام بدلاً من مواجهة المشكلة، فكثير من المعددين يكون زواجهم بالثانية ردة فعل على مشكلة وقعت له مع زوجته الأولى، وبدلاً من حل تلك المشكلة يجد نفسه قد وقع في مشاكل أعقد من الأولى بمجرد الزواج من ثانية، حيث تنقشع عنه تلك السحابة الوردية بمرور أيام الزواج الأولى، بل ويجد نفسه أمام متاعب ترهقه مادياً ونفسياً، بالإضافة إلى ردود الأفعال السلبية التي يجدها من الزوجة الأولى وأطفالها وحتى الأصدقاء أحياناً. تقدير الحالة المادية وحول انعكاسات الحياة الحديثة وتطوراتها من وسائل اتصالات وأنماط معيشة مرفهة على موضوع التعدد سلباً أو إيجاباً والطريقة المثلى للمعددين في ظل مثل هذه التغيرات، يوضح "د.العندس" أنه لا تخلو وسائل الاتصالات من إزعاج بالطبع، لكنها في الوقت نفسه قد تعين على نجاح إدارة التعدد، فهي تلعب دوراً في شعور الأبناء بقرب الوالد منهم عبر الاتصال عليهم والاطمئنان على أوضاعهم في البيت، بتخصيص أوقات ضرورية للاتصال بالأبناء لاسيما في أيام الزواج الأولى، مضيفاً: "أما سبب كونها مزعجة فيقع عند الاتصال بالزوجة الأولى في يوم الثانية، أو الاحتفاظ برسائل قد تتسبب في وقوع مشكلة ما بين الزوجتين"، مشيراً إلى أن الرفاهية إذا لم يتم ضبطها بحسب تقدير الصرف، فقد تثقل كاهل المعدد وتؤدي إلى انعكاسات سلبية، لهذا لابد من تقدير الحالة المادية جيداً قبل الشروع في التعدد، وبخصوص الطريقة المثلى للاحتفاظ بالتعدد كنموذج لحالات ناجحة في ظل ظروف الحياة الحديثة وتحولاتها، فيقول "د.العندس": لابد لمن يريد الشروع في التعدد من الإقبال على دراسة الموضوع قبل الإقدام عليه، وتقدير استحقاقاته والتزاماته عبر البحث، مع استشارة أهل العلم والخبرة فذلك سيوفر عليه الكثير، وليس عيباً في أن يدخل المرء دورة لدراسة فن إدارة التعدد. وصايا للمعدد وأوصى "د.العندس" ببعض الأمور في هذا الصدد لمن يرغب في التعدد بنية صادقة، ومن هذه الأمور أن لا يكون سبب التعدد ردة فعل على مشكلة مع الزوجة الأولى، والتعرف على المحاذير التي قد يقع عليها المعدد ويتفاجأ بها غالباً، بالإضافة إلى معرفة الطرق التي تجنب الأبناء ما ينشأ من خلافات وصراعات نتيجة للتعدد، وكيفية احتوائهم والاهتمام بشؤونهم بعد الزواج، إلى جانب حسن التصرف في بعض التدابير اليومية، مثل كيفية صرف النفقة بتوازن، لاسيما حين تكون الأولى موظفة والثانية ربة منزل، مع الإهتمام بأسلوب توزيع الأيام والليالي بما يتطلبه من حساسية وانتباه بخصوص كل زوجة، لافتاً إلى أنه نتيجة لتدبير هذه التصرفات بطريقة متوازنة بناء على دراية ومعرفة، ستأتي تصرفات كثيرة موازية لها مثل كيفية ترتيب السفريات بين الزوجات ومن سيصحبك منهن؟، أو من التي ستجهز لك حقيبة السفر؟، وأين تستقبل ضيوفك؟، وطبيعة تنظيم الأيام في رمضان والعيد، وكذلك كيفية ترتيب دعوة أهل الزوجة الأولى في يوم الثانية، إلى جانب موضوع السفر بجميع الزوجات، وكيف ترتب التعامل مع كل واحدة منهن بحسب ما يتطلبه الوضع من حكمة؟. حالات كثيرة وحين سألنا "د.العندس" عن أبرز الحالات التي تردهم للاستشارة عبر الهاتف المخصص لهذه الفئة من الناس أجابنا: الحالات كثيرة جداً، بعضها محزن يدمي القلب ويدعو للأسف، وانتهز هذه الفرصة لأدعوالجهات المعنية بالالتفات إلى هذه الفئة التي لم يقدم لها على المستوى الوطني أي شيء يذكر حتى الآن، سارداً إحدى القصص بقوله: "رجل تزوج بامرأة وأنجب منها 12 من الأولاد والبنات، ثم تزوج بأخرى وأنجب من الثانية 7 أولاد وبنات، ثم تزوج بثالثة لم يتجاوز عمرها العشرين سنة، كل هذه الذرية في بيت واحد ولا يدخل عليهم إلا آخر الليل، ماذا يفعلون؟، وكيف يعيشون؟، لا يهمه هذا الأمر البتة، تبكي زوجاته دماً من الفوضى التي يعشنها، ومن الواقع المرير للأبناء والبنات!".