كتب أحد النقاد نقداً قاسياً في حق الشاعر المبدع سعد علوش، وتركز نقده بشكل كبير على مسألة واحدة وهي مسألة "التناقض" الكبير بين ما يُطالب به الشاعر في إحدى قصائده -حيث يدعو فيها (شعراء القبائل) وكذلك من يُسميهم (شعراء الخصور) للارتقاء بمستوى الشعر- وبين ما يجده الناقد في قصائد أخرى للشاعر نفسه من امتداح للخصور و(المياعه) ومُفاخرة بالتعصب للقبيلة؛ أما القصيدة الأولى فهي رائعة بحق وتستحق أن نذكر بعض أبياتها هنا، يقول سعد علوش: يالشعر كل الناس ما فيهم قصور لا تحسب اللي راح والا اللي بقي باعوك في سوق الفضاء بلا شكور التافهة .. والإمعة .. والنقنقي من يوم صاروا جماهيرك بزور وأنا عرفت إنك شقي وأنا شقي الله يصبرنا على بعض الأمور والله يعوضني جنوني وعرقي النور لولا عيوننا ما كان نور والماء بلا تحريك ما يبقى نقي لطفاً يا شعار القبايل والخصور ل نرتقي لنرتقي ل نرتقي وفي اعتقادي أن (التناقض) سمة يُمكن أن نجدها عند جميع الشعراء غير سعد علوش، بل هي سمة ملازمة للإنسان سواء أكان شاعراً أم غير ذلك، ولعل الإنسان مهما بلغ من التُقى والحرص على عدم التناقض سيشعر في كثير من الأحيان بتناقضات صارخة في أقواله وأفعاله، وسيجد نفسه مُجبراً على ترديد بيت المبدع نايف صقر حين قال: أنا الإنسان حمّال النقايض والكمد والكيد غريق الطين واللّذات من راسه لعرقوبه. وسنجد بأن النقاد العرب القدماء قد فطنوا لمسألة تناقض الشعراء سواء في أفعالهم أو في أشعارهم، وقد تحدث الناقد الكبير عبدالفتاح كيليطو عنها في (الأدب والغرابة) وذكر شواهد من أقوال النُقاد القدماء حول إباحة التناقض للشاعر، فقدامة بن جعفر يرى بأن "المعاني كلها معرضة للشاعر، وله أن يتكلم منها فيما أحب وآثر من غير أن يُحظر عليه معنى يروم الكلام فيه"، ويحق للشاعر كما يقول قدامه أيضاً: "مُناقضة نفسه في قصيدتين أو كلمتين، بأن يصف شيئاً وصفاً حسناً ثم يذمه بعد ذلك ذماً حسناً أيضاً"..! ويُجيب نزار قباني –الذي أُحب أن أستشهد بأقواله دوماً- على سؤال: (لماذا أنت متناقض؟) قائلاً: "التناقض وحده هو الذي يُميز الإنسان عن حجر الطاحون .. ويُميز أعصابه عن قضبان السكة الحديدية، قضبان السكة الحديدية لا يُمكن أن تتناقض أبداً، إنها مستريحة وراضية ومُنبطحة على الأرض بانتظار القطار الذي يأتي .. أما الشاعر فإنه لا يجلس بانتظار أحد. صوت الشاعر ليس خطوطاً محفورةً على أسطوانة، كُلما عُزفت أعادت نفسها. صوت الشاعر يحمل كل تموجات الحياة .. لماذا أنا متناقض؟ لأنني لم أشتغل حتى الآن في مؤسسة الكهرباء ولا مُحاسباً قانونياً في مديرية الإحصاء، لذلك تأخذ قصائدي مرّة شكل الوردة، ومرّة شكل الجرح المفتوح" ..!