جمعني حوار استغرق وقتا طويلا بمقاييس أبرز رجل أعمال ببلادنا برأيي, وأستطيع أن أضعه بالمصاف الأولى كثروة يملكها بعصامية نادرة وقصص تستحق أن تروى, كنت أتحدث مع هذا الرجل "الشيخ" الجليل, وهو يقدم عصارة تجربة وجهد ومعاناة كيف بدأ وأين توقف, والحديث عن هذا الحوار يحتاج الى توثيق وتدوين وكتابة بل إلى كتب لكي تروى لتستفيد منها الأجيال الحالية والقادمة, ولعل من ضمن أبرز ما لفت انتباهي, وقد أكون أشرت له سابقا ببعض كتاباتي, حين ذكر لي هذا الشيخ الجليل والكبير حين سألته عن كيف يمكن أن يوجد لدينا بطالة وعاطلون عن العمل في ظل وجود ما يقارب تسعة ملايين أجنبي في بلادنا وسيطرتهم على فرص العمل الصغيرة والمتوسطة والكبيرة؟ أين الخلل؟ فكان الرد المباشر أن فرص العمل كبيرة وعديدة وواسعة جدا, ولكن شبابنا "للأسف" لا يريدون إلا وظيفة حكومية مريحة, ويعلمون أن الوظيفة الحكومية لا عملا مرهقا بها وإجازات عديدة وعدم محاسبة إلى آخر طبيعة الوظيفة الحكومية وينتهي عملك قبل نهاية العمل الرسمي وقبل الساعة الثانية ظهرا, وضرب "شيخنا" مثالا مباشرا وواضحا أنه كان لديه موظف "سعودي" يعمل لديه براتب 5500 ريال, ولكن بعد فترة قدم استقالته من العمل, وحين تم سؤاله عن السبب, ذكر هذا الشاب أنه حصل على وظيفة حكومية براتب 1800 ريال؟! ويتساءل "شيخنا " كيف يقبل براتب 1800 ريال ويرفض 5500 ريال؟! خاصة أن متطلبات الحياة وظروفها تحتاج لراتب أعلى وعمل أكثر, فما الذي يحمل شبابنا (ولا نعمم هنا ولكنها نسبة كبيرة وواضحة ) إلى رفض الأعمال الأكثر ساعات في سبيل رفع راتبه؟؟ لا أجد سببا مقنعا إلا أنه البحث عن الراحة من وجهة نظرهم, والبحث عن قلة العمل والمسؤولية وانحسار الطموح وغيره الكثير, وقد شهدت بنفسي أن الموظف "المواطن" يعمل في سبيل أن يتجه لوظيفة حكومية حتى وهي أقل راتب, سيقول قائل يبحثون عن الأمان, ولكن هل الأمان براتب أقل وعمل أقل وتسيب في العمل؟؟ ألا يفترض للمواطن أن يعمل ويكتسب مهارات وخبرة لكي يرتفع سعره مع الوقت وهذا نلحظه في البنوك وكبرى الشركات فلا ينتقل موظف من شركة إلى شركة إلا بمميزات أكبر سواء براتب أو منصب وهذا للمميز وصاحب الطموح, لا أفهم سر القبول بعمل "سكيورتي" بمبنى أو إدارة وعمل 12 ساعة وراتب لا يتجاوز 2000 ريال وهو يدرك أنه لو مارس أي عمل حر بسيط سيجد عائدا ماديا أكبر لا شك, ولكنها عدم المسؤولية والبحث عن الراحة والكسل و"سهرات" الاستراحات اليومية, وباختصار لا يريدون عملا شاقا, فهم يريدون المال في مقابل لا شيء من الجهد والعمل والطموح. إذا ما هي الأسباب؟ سنعود إلى البيت والأسرة والتربية والمدرسة والبيئة والمجتمع والانسان نفسه, هي مزيج وخليط من متغيرات شكلت هذه الثقافة لدينا "الكسل والراحة وعدم الطموح والمسؤولية" نحتاج صياغة "من جديد" لثقافة العمل, وكبار التجار ببلادنا عملوا كل الأعمال التي تعتبر اليوم "ليست بمستوى المواطن" من وجهة نظرة, والرسول الكريم عمل "راعي أغنام" نحتاج أن نوجد شبابا يتحمل الطموح والمسوؤلية والرغبة بالعمل والهدف, وهذا لن يتم إلا ببناء داخلي عائلي ومجتمعي والمدرسة نحتاج صياغة لا شك جديدة لنفهم أننا لسنا منزهين عن أي عمل حر يكسب بعرق جبينك حلالا طيبا.