تكاد معظم كتب الرحلات التي تحدثت عن العالم العربي والجزيرة العربية على وجه التحديد ألاّ تخرج من إطار المؤلف الغربي، فالمستشرقون في غرب أوروبا يعدون أكثر من كتاب عن العرب والجزيرة العربية في رحلاتهم واكتشافاتهم البرية والبحرية، وإن كان هذا الاهتمام إنما جاء نتيجة لاطماع هذه الدول في استغلال ثروات العالم العربي كغيره من بقاع العالم، فإنه على النقيض مما كانت عليه كتب الرحالة والمكتشفين المسلمين إبان الحضارة الإسلامية التي خدمت العلم من أجل العلم، ولذا فقد يجد القارئ أن ثمة إهمالاً في ترجمة كتب الرحالة غير الأوروبيين لاسيما كتب العصور المتأخرة، ولعلنا هنا نقف على إحدى أهم الكتب التي تحدثت عن الجزيرة العربية وبالتحديد عن بعض مناطق المملكة قبل أكثر من سبعين عاماً بقلم رحالة ودبلوماسي جاء – هذه المرة من الشرق الأقصى – ليدون في رحلته كل ما رأته عيناه منذ وصوله بحراً من مصر إلى ميناء جدة، وحتى وصوله إلى مدينة الرياض. هذه الرحلة التي ساهمت دارة الملك عبدالعزيز – كعادتها- في طباعتها وتحقيقها وفهرستها والعناية بها لتخرج بصوره بديعة واضحة المعالم كغيرها من مطبوعات الدارة التي يشهد لجهودها كل من يعتني بقراءة التاريخ، لاسيما تاريخ الجزيرة العربية والمملكة تحديداً. قصة الكتاب تتلخص قصة هذه الرحلة "الكتاب" في استجابة الحكومة اليابانية لدعوة الملك عبد العزيز للمسؤولين اليابانيين لزيارة المملكة، وذلك بعد حضور ممثل المملكة ومندوب الملك الشيخ حافظ وهبة حفل افتتاح مسجد طوكيو الذي بني في منطقة (يويوغي) عام 1357ه 1938م، قدّم خلالها الملك عبد العزيز عن طريق مندوبه دعوة رسمية للمسؤولين في الحكومية اليابانية لزيارة الرياض، وقد لبت الحكومة اليابانية الدعوة، وأوفدت الوزير الياباني المفوض في سفارة اليابانبالقاهرة (ماسويوكي يوكوماها) يرافقه المهندس بوزارة شؤون الصناعة والتجارة الدولية (تومويوشي ميتسوتشي)، بالإضافة إلى مؤلف الكتاب (إيجيروناكانو) الذي كان يعمل آنذاك بالسفارة اليابانية في القاهرة، وأقام فيها سبع سنوات درس في الأزهر وفي جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة)، وكان مهتماً بتعاليم الدين الإسلامي. أهمية الرحلة بدأ الدبلوماسي الياباني تدوين رحلته لحظة نزوله بصحبة الوزير وزميله المهندس إلى ميناء جدة صباح الرابع من شهر صفر 1358ه الموافق اليوم السادس والعشرين من مارس عام 1939م، واصفاً ومصوراً بعدسته استقبالهم في مدينة جدة إلى أن خرجوا متجهين إلى الرياض بصحبة ثلاثين مرافقاً وخمس سيارات أعدها لهم الملك عبد العزيز، استطاع الباحث من خلال هذه الرحلة وصف ما تنعم به البلاد من أمن وأمان في حين كان العالم بأسرة يعيش مخاوف قيام الحرب العالمية الثانية التي ما لبثت أن نشبت بعد سنوات قليلة. وصف الكاتب من خلال رحلته بين جدةوالرياض كافة المدن والهجر التي مر بها، كما لم يغفل وصف العادات والتقاليد العربية، وقد تزيا والوزير والمهندس بالزي العربي، فلبسا الغترة والمشلح والعقال التي أهداهما إياها الشيخ عبد الله السليمان، وكان وصف الكاتب للقهوة العربية وصفاً يوحي بالإعجاب. وتأتي أهمية هذه الرحلة في أنها جاءت من خارج القارة الأوروبية التي راجت فيها كتب الرحلات والاستكشافات البرية والبحرية، في حين لم يجد الباحث في كتب الرحلات وجهة مغيرة لما كتبه الأوروبيون؛ إذ قلما يحظى الباحث بمؤلف منشور لرحالة من خارج أوروبا الغربية لاسيما في العصور المتأخرة، وإذا كانت هذه الرحلة تقدم وجهة نظر مختلفة عن النظرة السائدة "الأوروبية" للجزيرة العربية وعهد توحيد المملكة، فإنها ومع إثرائها للمصادر التاريخية من حيث التنوع قد أضافت كنزاً وثائقياً من الصور الفوتوغرافية المتعددة التي التقطها الكاتب بعدسته لكل منطقة مر بها، وكل مرحلة قطعها ناهيك عن أن هذه الرحلة قد تناولت مرحلة تاريخية مهمة بعد توحيد المملكة، وتدفق آبار النفط وازدهار الحياة الاقتصادية والاجتماعية واستتباب الأمن في كافة مناطق المملكة بعد فترة توحيد البلاد التي استمرت أكثر من ثلاثين عاماً. لقاء الملك عبدالعزيز وبعد أن وصف الكاتب كل المدن التي مر بها (السيل، عكاظ، المويه، عفيف، القاعية، جبال كبشان، الدوادمي، مرات، العيينة، الجبيلة) وصل إلى قصر البديعة، فأسهب في وصف كل ما رآه حتى دخوله إلى غرفة الضيافة، وشاهد الملك عبد العزيز لأول مرة، وتحدث الملك عبد العزيز في بداية اللقاء، قائلاً: "بلدنا تحكمه الشريعة، والشريعة هي حكمنا ولا شيء غيرها، وأمام الشرع جميع الناس سواسية"، ثم تحدث الملك عن العلاقات الدولية وعلاقات المملكة الطيبة بدول الجوار، كما تحدث عن فلسطين وجهود المملكة والدول العربية والإسلامية لإبعاد اليهود عنها، وعن رسائله للرئيس الأمريكي "روزفيلت" بشأن القضية الفلسطينية، وكان الملك – كما وصفه الكاتب – بشوشاً لم تبد عليه علامات الامتعاض أو الغضب أو حتى الملل إلا حين تحدث عن القضية الفلسطينية. وبعد جولة في مدينة الرياض وصف الكاتب المدينة وأحياءها وشوارعها وأسواقها وسكانها الذين قدر عددهم بعشرين ألف (20.000) نسمة، ثم وصف النساء السعوديات وكيف أنهن يغطين أجسادهن بالحجاب في سائر بقاع البلد، وقد أبدى احترامه وإجلاله لتمسك المجتمع السعودي بتعاليم الشرع القويم، كما وصف أبناء الملك عبدالعزيز وهم يحملون نسخاً من القرآن الكريم بعد خروجهم من الكتّاب، ثم تطرق لدعوة ولي العهد "الملك سعود" لهم ووصف مأدبة العشاء والضيوف والحديث الذي دار بينهم.