عندي إحساس أن مدينة الرياض فاضية. خلت من سكانها. رمضان هذا العام جاء في وسط الإجازة. اضطرت كثير من العائلات السعودية قطع إجازاتها الصيفية والعودة إلى الوطن. معظم العائلات قررت وصل ما انقطع. اتصل بي صديق وعرفت منه أنه سينطلق إلى لندن. بالأصح سينطلق (عائدا) إلى لندن مع نهاية الشهر الفضيل. عاد إلى الرياض في اليوم الأول من رمضان وغادر الرياض مع آخر تمرة وضعها في فمه. لعله يريد أن ترتاح أذناه من ميكروفونات المآذن. فنادق البحرين هذه الأيام تغص بالساكنين. ذاك من ذاك اللي يحصل له غرفة في فندق. قس على ذلك دبي وبيروت. وآخرون في هذه اللحظة يتمخطرون في شوارع باريس ولوس أنجلس. كلّ يمد خطاه على قد فلوسه. لا أعرف لمن أكتب هذا المقال. زبائن الصحافة (اللي عليهم الكلام) أصبحوا خارج البلاد. هل تكفي الإنترنت؟ مقاييسي في تقييم القراء قديمة بعض الشيء. تعلمنا تقييم الأشياء بالفطرة. بطريقة بدائية. لاتوجد مصادر معلومات لقياس عدد القراء. متى يزيدون أو ينقصون. تجربتي تقول إن القراء ينقصون بشكل كبير في الإجازات. الإدارات الحكومية مصدر كبير للدخل والقراء. آلاف الموظفين يتأبطون الجرائد عند الخروج من العمل. في الإجازات ترتاح الجرائد من كتمة الآباط. هذا ما يجعلنا نظن أن عدد القراء يقل في الإجازات. لاحظ فرق كمية الإعلانات. ربما يكون هناك عامل آخر. توقف الدوري. بعض الجرائد تعتاش على الله ثم على الصفحات الرياضية. بالنسبة لي سأكتب ثم أكتب. سأتخيل قراء وأكتب. لا أستطيع التوقف عن الكتابة. مثل لاعب الكورة إذا توقف يزداد وزنه وترتخي عضلاته. آليت على نفسي أن أكتب في اليوم من ثلاث إلى أربع صفحات. ما يزيد على ألفي كلمة. زاوية يارا لا تتعدى صفحة وربعاً. لاينقص عدد كلماتها عن أربع مائة كلمة ولا يزيد على أربع مائة وخمسين إلا نادرا. أكتب ستمائة كلمة أو سبعمائة ثم أبدأ في الحذف حتى أصل إلى الرقم القياسي. علمتني التجربة أنه كلما ازداد حجم المقال قل عدد القراء. لن يقنعني أحد بخلاف ذلك. ليس لأن القراء كسالى. المسألة تتعلق بالنسبية. الجريدة مليئة بالأشياء السريعة والزوالية التي تفرض إيقاعها على القارئ. يقرأ المرء المقالات القصيرة ويؤجل الطويلة لوقت آخر لن يأتي أبداً. نفس القارئ إذا كان بين يديه مجلة أدبية مثلا سيتغير الإيقاع الذي يتحكم في توقيته. أكتب هذا المقال اليوم الخميس. من مدينة تورنتو في كندا. غدا سيكون العيد. لن أجد من يسلّم علي وأسلّم عليه سوى أبنائي. أخطط لأنْ أذهب إلى شلالات نياغارا. سأقضي يوم العيد هناك. تبعد شلالات نياغارا عن تورنتو نفس بُعد الرياض عن الخرج. كمية المياه الساقطة من هذه الشلالات في ساعة تعادل كميات المياه في جزيرة العرب منذ الانفجار الكبير وتشكّل الكرة الأرضية. سأدعو الله أمام آيته العظمى هذه وفي هذا اليوم الإسلامي العظيم أن يمنّ على أمة الإسلام بقليل من التقدم والوعي بعد جفاف طال أمده..