صُدفتان كانتا وراء كتابة هذا المقال. الأولى تصفّح قاموس الحِكم والأمثال والأقوال المأثورة لسمير شيخاني. والثانية كانت إحدى القنوات الفضائيّة تبث خبراً عن دولة إسلاميّة يخطب فيها أحد رجال الدين. القوم جلوس يلوحون بقبضاتهم كلما اشتد لعن الخطيب لأمريكا. الحكمة في القاموس تقول: "ينبغي للعنزة أن ترعى حيث هي مربوطة". الملوحون بقبضاتهم كالمربوطين من عقولهم، لو فكّروا قليلاً لعرفوا بأنهم قد أجّروا عقولهم للخطيب الذي حقن أدمغتهم بما يُريد هو لا بما يُريدون هُم. أنا ضد اللعن سواء لأمريكا أو غيرها وفي نفس الوقت أرفض تأجير عقلي لغيري. حُرية الإنسان تكمن في اختياراته لا بتحكّم الغير بها. في المجتمعات الأبوية يسود الصوت الواحد وعلى المجاميع أن تسمع وتطيع، وهذا يتناقض تماماً مع مبدأ حُرية الاختيار والتعبير وهو ما عبّر عنه مشهد المُصلين الذين يبدو عليهم إجادة ما تدرّبوا عليه. القبضات تتحرك في وقت واحدٍ، بل لا تتحرك إلا عندما يأذن قائد الفرقة بذلك. أشك بأن مُعظم الملوحين بقبضاتهم يعرفون معنى المفردات التي يقولها الخطيب. بل لا أُبالغ لو قلت بأن حضورهم الذهني بعيد تماماً عن المناسبة والخطبة وحتى اسم الخطيب. وهذا شأن الغوغاء المُستأجرين في كل زمان ومكان. ما أود قوله بكل حياد ديني وعرقي ومذهبي أننا في عصر الحُريات فكيف يمكن قبول توجيه العقول بالريموت كونترول مهما كانت الأحداث. حتى أثناء التعبئة العامة وقت اقتراب وقوع الخطر. قُلت: أتركوا الشعوب تُعبّر عن ولائها للأوطان دون إجبار أو تحشيد. نعم... الشعوب ستُدافع وقت (الله الله) تلقائياً عن الأوطان. لا ينتظرون خُطبا رنانة ولا من يستدعيهم للهتاف. الوطن هو المسكن ، هو العش هو الطمأنينة، فهل نحتاج إلى تعريف الطيور معنى العش؟؟ خلق الولاء في ظني هو في احتضان ابن الوطن وسماع شكواه وتلبية رغباته. ابن الوطن ليس بحاجةٍ إلى خُطب حماسية تُشعل وجدانه ليُحب وطنه. هو بحاجة لمن يشعرُ بمعاناته ويُسهّل وصوله لمواقع العمل والإنتاج. ابن الوطن سيبذل روحهُ فداءً متى ما وجد قلوباً تحتضنهُ دون كلام أو شعارات.