يصل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى مكةالمكرمة تلبية لنداء المنادي (يا باغي الخير أقبل).. ولقضاء عدة أيام بجوار بيت الله الحرام في جو إيماني ولحظات روحانية بعيدة عن عناء العمل ورتابة المتابعة، لحظات تعيد إليه الصفاء والتجدد والحيوية يتزود بالعبادة من نفحات الشهر العظيم، مجتهداً في رمضان المعظم (شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان)، وليكثر من النوافل والطاعات، فقد عهدناه يستقل الساعات الثمينة في الأمور السامية خلال الشهر العظيم، فاللهم احفظ لنا ولاة أمرنا ودلهم على الخير يا رب العالمين. ما أحلى وأجمل أن يعيش المرء لحظات يقضيها في رحاب الحرمين مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة بين زمزم والمقام وبين روضته الشريفة ومحراب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولا شك أن مقدم خادم الحرمين الميمون إلى مكةالمكرمة، يدخل الفرح والسرور على أهلها، فيعيشون حلماً سعيداً وآمالاً عريضة، كيف لا وملك الإنسانية بين أظهرهم، الكل فرح الشباب والشيوخ الرجال والنساء، ينتهزون لقاء خادم الحرمين، وقد أظلتهم نفحات رمضان المعظم. إنها فرص سانحة لقضاء أحلى الأوقات بين الوالد البار مع أبنائه، يحاورهم ويشاورهم بابتسامته العريضة في أمورهم المستقبلية العامة وقضاياهم الهادفة في برنامج واعد ونظرة صادقة يسبق الفعل فيها القول انطلاقا من قوله تعالى (لم تقولون ما لا تفعلون)، يدخلون عليه من كل حدب وصوب، من غير حاجب ولا بواب، يسلمون عليه، مصافحين تلك اليد الحانية الكريمة، التي امتدت بيضاء تجسد الاهتمام ببيت الله الحرام. فقد تحوّلت مكةالمكرمة تلك المدينة الدينية الأولى للعالم الإسلامي (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة) المدينة المحاطة بالجبال الشامخة وبمنازلها القديمة، تحولت بفضل مجهودات خادم الحرمين الشريفين إلى رقم جديد، لقد طورها لا إلى مدينة حضارية فحسب، بل إلى زهرة المدائن ومشاريع عمل كبرى تسهم في علاج مشاكل زيادة أعداد زوار وقاصدي بيت الله الحرم المرتقبة عالمياً لكونها وجهة المسلمين الأولى في العالم والذين يتزايد عددهم كل عام، حتى يبلغ عدد زوارها سنوياً الملايين زائر من داخل الوطن وخارجه. وتأتي هذه القفزة الحضارية وفقًا لنظرة خادم الحرمين المستقبلية البعيدة والحريصة على أن تكون مكةالمكرمةالمدينة الأولى والأفضل خلال العشر السنوات القليلة القادمة لتكون في مصاف المدن العالمية المتقدمة. فكان من موجبات قدوم خادم الحرمين لمكةالمكرمة في شهر رمضان المعظم أن يشهد بنفسه النقلة النوعية العظيمة وغير المستبقة في تاريخها والتي لم تشهدها طوال عصورها الماضية. لقد بدأت مكةالمكرمة دخول عصر زاهر جديد بكل معاني التحضر والرقي مما يضيف لها زيادة لرصيدها ورونقاً لمكانتها وجمالها، قال تعالى (أولم نمكن لهم حرما آمنا) روى النسائي في التفسير: ان الحارث بن مر بن نوفل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا، فأنزل الله عز وجل ردا عليه (أولم نمكن لهم حرما آمنا) أي إن الله جعلهم في بلد أمين وهم منه في أمان في حال كفرهم، فكيف لا يكون أمنا لهم بعد أن أسلموا وتابعوا الحق. ومن موجبات قدوم خادم الحرمين، تكملة مسيرة الإسهامات الجديدة والمتجددة في تنمية منطقة مكةالمكرمة، تلك الإسهامات الهادفة إلى التميز والارتقاء ببناء إنسان المنطقة والنهوض به ليرتقي إلى مصاف الأمانة وعظم المسؤولية الملقاة على يدي المجتمع المكي للنهوض بمستوى خدمات ضيوف الرحمن ليبلغ غاية المثالية، فإن خدمة ضيوف الرحمن شرف تعتز به حكومة خادم الحرمين الشريفين، والمواطن السعودي وبخاصة أهل مكةالمكرمة، الذين يتقدمون بخالص التهاني لخادم الحرمين الشريفين، وهو يكابد الليل والنهار في تواصل دؤوب لتطوير سبل الراحة وتوفير كل ما من شانه إعانة ضيوف الرحمن على أداء مناسكهم. والمكيون الفائزون بمباشرة ضيوف الرحمن، وليس هذا بالعجيب من خادم الحرمين الشريفين، وما ذلك منه إلا صورة وقبس من حياة العظماء والتلاحم بين الراعي ورعيته، في تلاق وتمازج لا يعرف التهميش ولا الإقصاء المغتبطة به وفضل الله واسعٌ ففي ساعة واحدة قد يحقق الله المطلوب. ومن موجبات مقدم خادم الحرمين لمكةالمكرمة في العشر الأواخر رعايته الكريمة لاحتفاء أمة سيدنا محمد صلى الله عليه السنوي بأداء العمرة في شهر رمضان المعظم، يرقب حفظه الله تحركات وتنقلات أكثر من ثلاثة ملايين مسلم قدموا لأداء مناسك العمرة، وسط أجواء مفعمة بالإيمان والروحانية، وسط "الركع السجود" قال تعالى (وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود)، تحفهم عناية الرحمن، وتحت مظلة أمن وأمان بفضل من الله تعالى ثم بفضل ما هُيّئ من خدمات متكاملة وميسرة تدعمها الطاقات البشرية والآلية. وإن كان النهي عن المدح في الوجه وقد ورد فيه أحاديث صحيحة، لكن وفق الله العلماء فجمعوا بين الأحاديث بأن النهي محمول على المجازفة في المدح والزيادة في الأوصاف، أو على من يخاف عليه فتنة من إعجاب ونحوه إذا سمع المدح أما من لا يخاف عليه ذلك لكمال تقواه ورسوخ عقله ومعرفته فلا عن مدحه في وجهه إذا لم يكن فيه مجازفة، بل إن كان يحصل بذلك مصلحة كنشاطه للخير، والازدياد منه الدوام عليه أو الاقتداء به كان مستحباً، وبعضهم النهي بمن يتغالى في مدح الإنسان بما ليس فيه، أو بمن يخاف عليه الإعجاب والفساد. نسأل الله كما بلغنا رمضان أن يتم علينا الشهر بالقبول والفوز برضوانه، ونسأله بمنه وجوده وكرمه أن يبلغنا شرف ليلة القدر ويجعلنا ممن قامها إيماناً واحتساباً فغُفر له ما تقدم من ذنبه. ونسأل الله التوفيق للجميع والله من وراء القصد.. * جامعة أم القرى